عبدالله قاسم العنزي

الشبهة في التجريم والإدانة

الاحد - 09 أبريل 2023

Sun - 09 Apr 2023

أعتقد أن الموضوع الذي سأتحدث عنه من الموضوعات الشائكة والمختلف فيها، وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا في موضوعات الشبهات والمؤاخذة عليها، والمتأمل في الشبهات التي عددها الفقهاء لا يتردد بأن هذا الاختلاف تعالجه مقاصد الشريعة التي تهدف إلى درء الحدود بالشبهات وكذلك الحديث الذي رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله قال: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» ومن هذا المقصد المشروع يحق لنا أن نقول بأن قاضي الموضوع ليس ملزما في معالجة قصور جهات الضبط في جمع الأدلة المادية ضد المتهم من خلال الحكم عليه بالإدانة بالشبهة!

حيث صدر تعميم من المجلس الأعلى للقضاء لتطوير المبادئ الموضوعية عند نظر القضايا والحكم فيها، بمراعاة الوصف الجرمي للإدانة قبل إصدار الحكم، بألا يتضمن الحكم بالشبهة مع الأخذ بوسائل الإثبات كافة بما في ذلك القرائن المعتبرة والمقصود فيها تعدد القرائن القوية التي تغلب الظن على أن المتهم ارتكب فعلا يجرم عليه شرعا ونظاما.

والاشتباه هو مجرد الظن بارتكاب جريمة والظن استواء العلم بالشيء والجهل به؛ فالشبهة بالتجريم قد يكون أحيانا سببا في رفع دعوى جزائية ضد متهم من وجهة نظرنا أنه برئ!

وذلك اجتهادا من النيابة العامة في التجريم بمجرد الاشتباه المنبعث عن علاقة الفاعل في حالة معينة تخضع بعض أوصافها إلى التجريم فلا اختلاف بأن عضو النيابة العامة معذور باجتهاده إذا اتبع الأصول العلمية والعملية لإجراءات التحقيق واجتهد بأن هناك مصلحة جديرة بالحماية النظامية.

كما أن فكرة الشبهة فكرة ظنية وأركان الجريمة مبادئ موضوعية متفق عليها فلا تتكون الجريمة دون ركن شرعي يجرم الفعل وركن مادي وركن معنوي -فعلى سبيل المثال- إذا ورد الشك في ركن الفعل من حيث هل المتهم ارتكب هذه الجريمة أم ضبط بحوزته أدوات يشتبه بأنه سيرتكب جريمة في المستقبل أو يشتبه أنه ارتكب جريمة في الماضي وعلى ذلك يجرم على الحالة التي ضبط فيها دون تلبس فمثل هذه الظنيات تحدث خلل في العدالة، حيث إن النصوص تؤكد أن الركن المادي في الجريمة يتحقق في حالات حددها النظام وهي ما يعرف بحالات التلبس بالجريمة والتي نصت عليها المادة الـ30 من نظام الإجراءات الجزائية.

ونعود إلى اجتهاد النيابة العامة في تكوين عقيدتها في حماية مصلحة ما؛ فقد تكيف النيابة العامة الجريمة ومن وجهة نظرها ولكن محكمة الموضوع ليست ملزمة في تكييف النيابة العامة ولا أطراف الدعوى بل هي ملزمة بأن تأخذ عقيدتها في بناء حكمها على ما استخلصته من وقائع القضية المطروحة أمامها بالأدلة والبينات الموصلة بأن المتهم هو مرتكب الجرم المنسوب إليه.

والذي يلاحظ في النظر في بعض المدونات القضائية والأحكام التي صدر فيها عقوبات جنائية يجد أن هناك عدم استيعاب لبعض القضاة لقواعد الإجراءات الجزائية والمبادئ المستقرة في غالبية القوانين المقارنة التي تؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم.

حيث إن ممارسة السلطة التقديرية للقاضي في تقدير العقوبة بدون ضوابط محددة يؤثر في تحقيق العدالة لأن القاضي ليس بمعزل عن النصوص الشرعية والقواعد الفقهية والنص القانوني الذي يؤطر عمل القاضي واجتهاده فقد نصت المادة الـ83 من النظام الأساسي للحكم بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي ومستند ذلك القواعد الشرعية التي تنص على لا جريمة ولا عقوبة إلا بدليل شرعي يجرم الفعل ويعاقب عليه؛ لأن الأصل براءة الذمم والأصل لا ينقض بالشك.

وبناء على ما سبق وإعمالا لمبدأ البراءة الأصلية، فإذا توافرت الأدلة على ارتكاب المتهم للجريمة يلزم على قاضي الموضوع الحكم علية بالإدانة أما إذا لم تتوافر الأدلة الكافية أو كانت ضعيفة فلزم الدائرة القضائية الحكم بعدم الإدانة ومن ثم فإن العقوبة لا تصدر إلا بثبوت الإدانة ولا مجال للقول بإدانة المتهم لمجرد الشبهة أو التهمة.

expert_55@