عبدالله العولقي

أزمة بنك سيليكون فالي

الاثنين - 20 مارس 2023

Mon - 20 Mar 2023

في عام 2008م، تم إعلان إفلاس بنك ليمان براذر الأمريكي، وعرفت القضية حينها بأزمة الرهن العقاري، وقد أحدثت الأزمة ضجة إعلامية دولية واسعة، باعتبارها أكبر عملية إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، وقد صنفت بالكارثة الاقتصادية حينها؛ نظرا لأن تداعياتها ضربت عدة أسواق خارج نطاق وجغرافيا الولايات المتحدة، وفي نهاية عام 2021م تعرضت أكبر شركة عقارية صينية (إيفرغراند) إلى أزمة خانقة لولا تدخل الحكومة الصينية وإنقاذها من مهاوي الإفلاس.

هذه الأيام تتكرر مخاوف أخرى ومماثلة بعد إعلان إفلاس بنك سليكون فالي الأمريكي، ففي نهاية عام 2022م قارب التضخم نسبة 9%، وهي نسبة عالية جدا، وكان لزاما أن تعود إلى نسبتها الطبيعية حوالي 2%، وبالتالي فإن السبب الأساسي لهذه الأزمة هو سلوك البنك الفيدرالي الأمريكي الحازم تجاه أزمة التضخم الاقتصادي المتفاقم، فعمل البنك من أجل كبح جماح التضخم برفع أسعار الفائدة إلى قرابة 5% حتى الآن، وربما قد تزيد، هذا السلوك المتشدد أثر على البنوك الأمريكية ومنها بالطبع السيليكون فالي، فالبنوك بطبيعتها تستخدم أموال المودعين في استثمارات متنوعة، وبالتالي فهي غير قادرة على إرجاع أموال المودعين بصورة مفاجئة وكاملة كما حصل هذه الأيام لدى بنك سيليكون فالي، بالإضافة إلى أنها تصاب بالإفلاس عندما تزيد التزاماتها عن قيمة أصولها، وفي حالة السيليكون فالي فإن زيادة سعر الفائدة يعني زيادة التزاماته، وبعد تسرب أخبار وضعية البنك المتدهورة إلى وسائل الإعلام، بدأ المودعون بتقديم طلبات سحب كامل أموالهم مما أدى إلى عجز البنك وعدم قدرته على مواجهة طلبات السحب الكبيرة للأموال، وبالتالي تم إعلان إفلاسه.

بنك سيليكون فالي يحتل المرتبة 16 بين أكبر البنوك في الولايات المتحدة، وقد أعلنت الحكومة الأمريكية تدخلها من أجل إنقاذ البنك، ووعدت المودعين والمستثمرين بإرجاع كامل أموالهم، من أجل عودة الثقة في نفوس المودعين والمستثمرين، وحتى لا تهتز بقية البنوك الأخرى وتقع ضحية للانهيار بعد سحب المودعين لاستثماراتهم.

العالم يترقب بحذر تجاه هذه الأزمة خشية أن تتنقل إلى خارج الولايات المتحدة تماما مثلما حصل في عام 2008م، لكن بعض المحللين الماليين يرى أن الأزمة الاقتصادية الحالية تختلف تماما عن الأزمة السابقة، فالأزمة الأولى بطبيعتها كانت هيكلية، بينما الأزمة الحالية يمكن احتواؤها عبر إجراءات إدارية تمنع تضخم الإشكالية إلى أبعد من نطاقها الحالي.

وفي الختام، يعتبر بنك سليكون فالي من أهم البنوك التي تدعم شركات التكنولوجيا الناشئة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ولا شك أن تداعيات إفلاسه ستنعكس سلبا على نمو مجال التقنية الذي يشهد تنافسا محتدا مع الصين، فقطاع التكنولوجيا في الصين يعد هو المحرك الأساسي للنمو في البلاد، وإذا عجزت واشنطن عن احتواء أزمة بنك سيليكون فالي وتداعياتها فربما تستطيع الصين جذب المزيد من المستثمرين وتحويلهم إلى مدنها التقنية، فالصين تمتلك مجموعة متقدمة من مراكز أبحاث تكنولوجية متطورة، خصوصا في المجال السيبراني والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وقد أعلنت بكين في السابق عن نيتها في جلب أفضل المواهب الصينية والعالمية لنقل التكنولوجيا الأمريكية إلى داخل الصين، وقد تقدم هذه الأزمة لبكين هدية مجانية لهذا التوجه الاستراتيجي، إن لم يكن للولايات المتحدة كلام آخر.

albakry1814@