ياسر عواد المغامسي

حضوري أم عن بعد: الجمع أولى من الترجيح

الخميس - 02 مارس 2023

Thu - 02 Mar 2023

مع اقتراب الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك – بلغنا الله إياه وأعاننا على صيامه وقيامه – ومناداة البعض بأن تكون الدراسة فيه عن بعد، وما بين مؤيد ومعارض، ينتظر الجميع قرار وزارة التعليم في حسم هذا التجاذب في الآراء.ورغم أننا عدنا في العام الماضي للدراسة في رمضان وخاض أبناؤنا هذه التجربة بعد انقطاع ليس بالقليل، إلا أننا أصبحنا نسمع بعض التربويين يؤيدون تحويل الدراسة في هذا الشهر الفضيل إلى تعليم عن بعد، وخاصة أن أيام الدراسة الفعلية في رمضان لا تتعدى 16 يوما فقط، بما يعادل ربع الفصل الدراسي الثالث، ولعل هذه النداءات تصاعدت بعدما لاحظ الجميع توسع الوزارة في الاعتماد على التعليم عن بعد في الأيام الماضية والتي صادف فيها موسم الأمطار وتغير الجو.ولا أريد أن أخوض في التكهنات والتوقعات حول موضوع «كيف ستكون نوعية الدراسة في رمضان، وأيهما أفضل؟» ليقيني وثقتي في وزارتنا الموقرة، وأنها سوف تتخذ ما تراه مناسبا لأبنائنا الطلاب، وأنها لو جعلت التعليم عن بعد فهي قد أثبتت نجاحها وتفوقها في تجربة أذهلت العالم بأسره، ولكن ما أود أن أتحدث عنه في هذه المقالة هو بعض النقاط حول تجربة التعليم عن بعد، وأبرز التحديات التي تواجهه، والتي تحول دون الوصول لتحقيق الفائدة المرجوة من هذا التعليم، لأننا نحاول أن يكون التعليم عن بعد يسير بصورة موازية للتعليم الحضوري.

ولأننا عايشنا تجربة التعليم الالكتروني (عن بعد) وكانت تجربتنا فيه تجربة رائدة، كما هي عادة المملكة دائما وأبدا وفي كل المحافل والميادين، فمن الطبيعي أن نواجه بعض التحديات في هذه التجربة الجديدة، ولعل من أبرز هذه التحديات ما عرف لاحقا بـ»التسرب الالكتروني»، والذي عرفه الأستاذ تامر الملاح بأنه «الدخول في نظام للتعلم الالكتروني عن بعد من قبل الطلاب وإمضاء بعض الوقت فيه، ثم تركه لأسباب عدة قبل إتمام عملية التعلم بشكل كامل للمحتوى، ودون متابعة الدراسة»، ففي مقالته الجميلة التي حملت عنوان «التسرب الالكتروني بين الرغبة في التعليم والملل من الالتزام» تحدث عن هذه الظاهرة، وفصل في أسبابها، فأعاد بعضها لشخصية الطالب وقدراته، وأسباب أخرى تعود للوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وأسباب تتعلق بالمعلم، وختم الأستاذ تامر مقالته بتوصيات جميلة لمواجهة هذه الظاهرة (التسرب الالكتروني).

فحري بنا أن نواجه هذه التحديات التي تعوق تحقيق الاستفادة الكاملة من هذا النوع من التعليم، ودراستها دراسة بحثية عميقة، والخروج بالتوصيات والحلول المناسبة التي تصل بنا إلى الجودة المطلوبة والمرغوبة في التعليم عن بعد، ونشر التوعية والثقافة المطلوبة في المجتمع بأهمية وفائدة هذه التجربة، فمن الغبن أن نترك ما وصلنا إليه من إنجازات وتجارب في التعليم عن بعد، ونتركه جانبا وكأنه أصبح من الماضي والذكريات بسبب أن الدارسة عادت حضوريا، مع بقائي وتمسكي برأيي في أهمية التعليم حضوريا، ولكن للمبررات التي ذكرناها سابقا في تجربتنا الناجحة مع التعليم عن بعد، وعملا بالقاعدة الأصولية في الفقه التي تقول (الجمع أولى من الترجيح)؛ فإننا يمكننا الجمع بينهما والاستفادة من مميزات كل نوع منهما، ولعلي أستشهد بلقاء جمعني مع أحد معلمي الصفوف الأولية المشهود لهم بالكفاءة والخبرة في تعليم المدينة المنورة، ووقفت معه على تجربة خاضها مع طلابه في الصف الأول الابتدائي أثناء التعليم عن بعد وأكد لي أن هذه التجربة التي طبقها عن بعد كانت أفضل نتائج ومردودا من التجارب التي كان يقوم بها مع الطلاب حضوريا.

فهذه أحد المكتسبات الكثيرة جدا، والتي اكتسبناها أثناء تلك الفترة، فلو جمعت هذه التجارب وعممت ليستفيد منها الجميع، لكان أفضل من تركها، والابتعاد عن هذا النوع من التعليم بسبب بعض التحديات والإخفاقات التي تواجهنا عند تطبيقه.

وفي المقابل نحن نؤيد توجه الوزارة وتمسكها بهذا النوع من التعليم، ومحاولة تطبيقه في بعض الأحيان متى ما دعت الحاجة إليه ومحاولتها الجمع بينهما، والاستفادة من مميزات كل نوع منهما، ليسيرا بشكل متواز، وألا يقل أحدهما عن الآخر فعالية وجودة، وهذا يتطلب منا كما ذكرنا سابقا دارسة التحديات التي تواجهنا في سلوك هذا الطريق، مع نشر ثقافة وتوعية لجميع أطراف العملية التعليمية بدءا من أبنائنا الطلاب وانتهاء بالمجتمع ككل.

والذي أريد أن أصل إليه في ختام هذه المقالة: أننا متى ما وصلنا للجودة المطلوبة في تعليمنا عن بعد، فعند ذلك لا مانع من اللجوء إليه في الأوقات التي نشعر أنه يحقق لنا أهدافنا المرجوة في ظل بعض الظروف والأوقات التي نرى أنها غير مناسبة للدراسة حضوريا لأبنائنا الطلاب.

yasmh93@