الدولة الوطنية ودوائر الهوية
الأربعاء - 01 فبراير 2023
Wed - 01 Feb 2023
لا شك أن موضوع الهوية من أعقد المواضيع وأكثرها جدلا بين المثقفين والكتاب والدارسين، وأغلب الظن أن هوية مجتمع ما تتحدد عبر رؤيتهم الثقافية المشتركة، فكلما توحدت طرق التفكير ورؤية مجتمع ما تجاه قضايا الحياة المختلفة، تتشكل مع هذه الثقافة تلقائيا هوية معينة تجمعهم.
فالهوية تحيط بالفرد مثل الدوائر الثقافية حول شخصيته، فالجغرافيا مثلا لها علاقة قوية في تشكيل ثقافة معينة لمجتمع معين، ولذا فالمكان له أثره في تلك الدوائر التي تحيط بالفرد، من دائرة القرية الصغيرة ثم دائرة المدينة الكبيرة ثم دائرة الوطن، أي الدائرة الكبرى، بالإضافة إلى أن هناك دوائر هويات أخرى تحيط بالفرد ولكنها تتعلق بالعقل والذهنية.
وهذه الدوائر لها علاقة بالنشأة والقراءة والتعليم والإطلاع الحر، وتأثير الأصدقاء والمجتمع، فهوية الفرد عبارة عن تقاطعات تلك الدوائر المحيطة به، سواء بالمكان أو بثقافة الذهنية التي تمكنت من تشكيل نمطية تفكيره.
بعد انتصار الليبرالية الغربية على الاشتراكية السوفييتية عقب انهيار سور برلين، توهم الكاتب الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما، أن آلية الديمقراطية ستكتسح العالم برمته، ولكن سرعان ما جاءه الرد الساحق من أستاذه صموئيل هنتنجتون في كتابه الشهير صراع الحضارات، والذي بين أن مستقبل العالم لن يكون كما في القرن العشرين، صراعا أيديولوجيا أو اقتصاديا بل سيكون صراعا ثقافيا من الدرجة الأولى، وقد تحققت نبوءته بعد سقوط برجي التجارة العالمية في نيويورك، وقيام واشنطن بغزو بغداد وكابول كردة فعل، وبهذا اكتسبت الهوية الحضارية أهميتها التي نجد صداها في معظم كتابات المفكرين في الشرق والغرب.
نعود إلى فكرة دوائر الهوية المتقاطعة والتي تحيط بالفرد متأثرة بجغرافية المكان وذهنيته المكتسبة من ذلك المكان، فلو أخذنا نماذج بسيطة من عالمنا الإسلامي، لوجدنا أن معيار نجاح الدولة يكون حول دائرة هوية الوطن، بمعنى أن تلك الدائرة يجب أن تكون هي الأكبر، وداخلها تتقاطع دوائر الهويات الأخرى وتداخلاتها، كدوائر العقيدة والقبيلة والمصالح والأيديولوجيا وغيرها، فلا هوية تعلو فوق هوية الوطن، ومن هنا تتشكل الدولة الوطنية، وتتشكل بين تلك الهويات الداخلية ثقافات التسامح وقبول الآخر.
عندما تبدأ إحدى تلك الدوائر الداخلية بالتعملق على دائرة الوطن تبدأ الأزمات السياسية، فمثلا دائرة الأيديولوجيا والتي عادة ما يكون تضخمها ملازما لرؤية متطرفة، وهذا ما حصل في ألمانيا مؤخرا، ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي تبنتها أحزاب يمينية متطرفة، وقد وقعت هذه الحادثة كثيرا في بلادنا العربية، فمحاولات جماعة الإخوان المتكررة للوصول إلى سدة الحكم هو تضخيم دائرة الأيديولوجيا المتطرفة لتكون أكبر من دائرة الوطن، فتضيع هيبة الدولة وأنظمتها وأنموذجها لصالح رؤية الأيديولوجيا الضيقة، ولهذا فشلت في أغلب تجاربها، لأنها لا ترتكز على مفهوم الدائرة الوطنية الأكبر، والأمر ذاته يقال عن الأحزاب والجماعات التابعة للثورة الخمينية، فهذه الأحزاب تتعملق على مفهوم الدولة كما في حالة حزب الله اللبناني، أو جماعة الحوثي اليمنية.
هناك حالة معاكسة لحالة الإخوان الأيديولوجية لكنها حالة متطرفة أيضا، وهي حالة تقزيم دائرة الدولة وهويتها إلى دائرة الجماعة، كما يحدث في أفغانستان اليوم، فبعد أن رجعت طالبان إلى سدة الحكم مرة أخرى، لم تستفد من تجربتها السياسية، وما قراراتها الأخيرة حول منع تعليم الفتيات والنساء من التعليم، إلا محاولة لتقزيم دائرة الدولة لتصل إلى مستوى دائرتها الضيقة والمتطرفة.
وفي الختام.. عندما ينشأ الفرد تتشكل حوله دوائر من الهويات المتنوعة، حسب جغرافيته والثقافة السائدة، لكن الأهم من ذلك كله أن تبقى دائرة الوطن هي الأكبر حوله، هي الهوية الشاملة لكل الأطياف والأعراق والعقائد والأفكار، وبهذا تسود الدولة الوطنية، وما سوى ذلك ما هو إلا الفشل بعينه، ولنا في تجارب المنطقة وأحداثها خير برهان.
albakry1814@
فالهوية تحيط بالفرد مثل الدوائر الثقافية حول شخصيته، فالجغرافيا مثلا لها علاقة قوية في تشكيل ثقافة معينة لمجتمع معين، ولذا فالمكان له أثره في تلك الدوائر التي تحيط بالفرد، من دائرة القرية الصغيرة ثم دائرة المدينة الكبيرة ثم دائرة الوطن، أي الدائرة الكبرى، بالإضافة إلى أن هناك دوائر هويات أخرى تحيط بالفرد ولكنها تتعلق بالعقل والذهنية.
وهذه الدوائر لها علاقة بالنشأة والقراءة والتعليم والإطلاع الحر، وتأثير الأصدقاء والمجتمع، فهوية الفرد عبارة عن تقاطعات تلك الدوائر المحيطة به، سواء بالمكان أو بثقافة الذهنية التي تمكنت من تشكيل نمطية تفكيره.
بعد انتصار الليبرالية الغربية على الاشتراكية السوفييتية عقب انهيار سور برلين، توهم الكاتب الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما، أن آلية الديمقراطية ستكتسح العالم برمته، ولكن سرعان ما جاءه الرد الساحق من أستاذه صموئيل هنتنجتون في كتابه الشهير صراع الحضارات، والذي بين أن مستقبل العالم لن يكون كما في القرن العشرين، صراعا أيديولوجيا أو اقتصاديا بل سيكون صراعا ثقافيا من الدرجة الأولى، وقد تحققت نبوءته بعد سقوط برجي التجارة العالمية في نيويورك، وقيام واشنطن بغزو بغداد وكابول كردة فعل، وبهذا اكتسبت الهوية الحضارية أهميتها التي نجد صداها في معظم كتابات المفكرين في الشرق والغرب.
نعود إلى فكرة دوائر الهوية المتقاطعة والتي تحيط بالفرد متأثرة بجغرافية المكان وذهنيته المكتسبة من ذلك المكان، فلو أخذنا نماذج بسيطة من عالمنا الإسلامي، لوجدنا أن معيار نجاح الدولة يكون حول دائرة هوية الوطن، بمعنى أن تلك الدائرة يجب أن تكون هي الأكبر، وداخلها تتقاطع دوائر الهويات الأخرى وتداخلاتها، كدوائر العقيدة والقبيلة والمصالح والأيديولوجيا وغيرها، فلا هوية تعلو فوق هوية الوطن، ومن هنا تتشكل الدولة الوطنية، وتتشكل بين تلك الهويات الداخلية ثقافات التسامح وقبول الآخر.
عندما تبدأ إحدى تلك الدوائر الداخلية بالتعملق على دائرة الوطن تبدأ الأزمات السياسية، فمثلا دائرة الأيديولوجيا والتي عادة ما يكون تضخمها ملازما لرؤية متطرفة، وهذا ما حصل في ألمانيا مؤخرا، ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي تبنتها أحزاب يمينية متطرفة، وقد وقعت هذه الحادثة كثيرا في بلادنا العربية، فمحاولات جماعة الإخوان المتكررة للوصول إلى سدة الحكم هو تضخيم دائرة الأيديولوجيا المتطرفة لتكون أكبر من دائرة الوطن، فتضيع هيبة الدولة وأنظمتها وأنموذجها لصالح رؤية الأيديولوجيا الضيقة، ولهذا فشلت في أغلب تجاربها، لأنها لا ترتكز على مفهوم الدائرة الوطنية الأكبر، والأمر ذاته يقال عن الأحزاب والجماعات التابعة للثورة الخمينية، فهذه الأحزاب تتعملق على مفهوم الدولة كما في حالة حزب الله اللبناني، أو جماعة الحوثي اليمنية.
هناك حالة معاكسة لحالة الإخوان الأيديولوجية لكنها حالة متطرفة أيضا، وهي حالة تقزيم دائرة الدولة وهويتها إلى دائرة الجماعة، كما يحدث في أفغانستان اليوم، فبعد أن رجعت طالبان إلى سدة الحكم مرة أخرى، لم تستفد من تجربتها السياسية، وما قراراتها الأخيرة حول منع تعليم الفتيات والنساء من التعليم، إلا محاولة لتقزيم دائرة الدولة لتصل إلى مستوى دائرتها الضيقة والمتطرفة.
وفي الختام.. عندما ينشأ الفرد تتشكل حوله دوائر من الهويات المتنوعة، حسب جغرافيته والثقافة السائدة، لكن الأهم من ذلك كله أن تبقى دائرة الوطن هي الأكبر حوله، هي الهوية الشاملة لكل الأطياف والأعراق والعقائد والأفكار، وبهذا تسود الدولة الوطنية، وما سوى ذلك ما هو إلا الفشل بعينه، ولنا في تجارب المنطقة وأحداثها خير برهان.
albakry1814@