عبدالله السحيمي

تهمة الكتابة

الخميس - 19 يناير 2023

Thu - 19 Jan 2023

يسرف البعض في التفسيرات غير العلمية وغير المنطقية في ربط الإبداع بتهم وصفات وسمات للمبدعين والمثقفين والشعراء والروائيين وجميع من يتعاطى الأدب كممارسة أدبية.

رغم أنني أعترف أن هناك سمات خاصة للمبدعين نجدها في كثير منهم، ومن ذلك أنهم يحبون الأماكن المغلقة والتي تساعد على القراءة والكتابة، وأنهم يفكرون ويحاورون بطرق غير مألوفة ولهم اهتمامات وممارسة أنشطة بعيدة عن ممارسات الكثير.

وهم يركنون إلى الانطوائية وربما تجذبهم بعض التصرفات التي تنطقها خصوصيتهم في طبيعة حياتهم الخاصة التي تختلف عن الأشخاص العاديين، وهو ما وصل إليه «ديفيد أدين» في كتابه «المرض والسلطة» والذي درس فيه حياة ثلاثة وأربعين من قادة العالم.

لكن هل يمكن ربط المبدعين بالأمراض النفسية؟

تأكيدا فإن الطب النفسي من العلوم الحديثة وكانت المقابلات الشخصية هي معيار يتم التشخيص من خلاله إلا أن واقع المرض العضوي هو واقع المرض النفسي ولو سلمنا بكل ذلك نكشف أن المرض لا يصيب إلا المبدعين.

لكن الواقع أن بعض الأمراض لها أعراض تتركه على الإنسان وتتولد المعاناة وربما تنفجر لديه القدرة الأدبية وتتحول من التنفيس إلى الإبداع ومن ثم الاحترافية كما هو واقع اليوم حينما لمسنا إبداعات خرجت من المصحات النفسية والدور الاجتماعية والمستشفيات، لم يكن المرض سمة للإبداع لكن صاحبه استعرض العزلة والوقت وطاقة الخيال وتوثقت علاقته بالقلم والورق وعانق فيها الاسترسال؛ فهذه مي زيادة رغم إجادتها لعدد من اللغات وأديبة عربية حققت إنجازات أدبية دخلت مستشفى الأمراض العقلية، فهل المرض صنع منها الإبداع أم أن الإبداع عززته المعاناة؟ ولعل النسب تؤكد أن 85% من الجرائم يرتكبها أشخاص طبيعيون و15% ممن لديهم مشاكل نفسية.

وبحسب الدكتور يوسف الصمعان، خبير واستشاري الطب النفسي فإن الحالة النفسية للمفكرين والأدباء والفلاسفة والذين يعانون أيضا من اضطرابات بنسب أكبر من التي يعاني منها الناس العاديون في المجتمعات، وقال «إذا رجعنا إلى الفترة الزمنية التي عاش فيها الفيلسوف سقراط حيث كان يعاني من الهلاوس وكان يسمع أصواتا غير الآخرين». وأضاف «إن الأدباء والفنانين والرسامين يعانون من الأمراض النفسية المختلفة وذلك من واقع جيناتهم الوراثية، حيث أثبتت الأبحاث أن فئة المبدعين تنتشر بينهم الأمراض النفسية في خرائط جيناتهم الوراثية، إلا أن الأمر لم يقتصر عليهم فقط بل شملت الخرائط الجينية لأقاربهم أمراضا نفسية أيضا.

ولفت إلى أن الدراسات تشير إلي ارتباط الأمراض النفسية والاضطرابات بالإبداع الأدبي والفني، حيث تنتشر هذه الأمراض بين المبدعين بشكل كبير، خاصة اضطرابات المزاج والهوس والتي تزيد بالضعفين لدى أهل الفن والموسيقى والشعر والرسم وكتاب الروايات.

وفي تصوري أن هناك التباسا في قراءة ذلك فهذا حمد الحجي -رحمه الله- الشاعر السعودي له ديوان عذاب السنين وفي اللقاء الذي أجري معه في مستشفى شهار ذكر أنه لم يعد يكتب أي شعر!

إن المسلمات التي نؤمن بها أن المعاناة دافع رئيس في الكتابة الإبداعية وعي تعزز من دورها في كل الحالات التي تمثل قيمة أساسية لكننا نؤمن أن الأديب هو في نهاية الأمر إنسان يعيش واقعه ويتعرض كغيره.

ومع احترامي فارتباط الأمراض النفسية بالكتابة أو وصم أصحابها بذلك في ظني أنها لا تمثل الواقع مهما كانت الدراسات والكتب التي تشير إلى ذلك.

إن واقع العمل الكتابي بشتى فنونه وأنواعه يسهم وبقوة على محاربة مثل هذه الأمراض؛ لأنها تساعد على التنفيس والبوح بأدوات مختلفة وهي تمثل قيمة وصفة إيجابية لمن أدرك هذه الصناعة والعمل بها وزيادة سبر أغوارها من خلال الاهتمام بهذه المهارة. إن المفارقة الأجمل والأروع أن أصحاب القلم يبقون حتى بعد رحيلهم يمنحون الآخرين قوارب من الإمتاع والاستمتاع وهي بمثابة الارتياح حينما تتمكن هذه الحياة بظروفها أن تتأثر بهموم تمر بها.

إن الإبداع حالة قابلة للتطوير والتميز وفي المقابل قابل للانطفاء والانطواء والابتعاد عن مسرح المبدعين.

إن الكتابة رزق وعطاء وليست ابتلاء ومرتعا للأمراض والأوهام والضلالات التي يصحبها ويصعبها البعض حينما يطلق أحكاما جائرة على حالة خاصة أو عينة لا تمثل الكل.

Alsuhaymi37@