محمد مندورة

اللغة العربية هي اللغة التي تكلم بها آدم عليه السلام، وهي أصل جميع اللغات

الأربعاء - 21 ديسمبر 2022

Wed - 21 Dec 2022

احتفلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من هذا الشهر كانون الأول (ديسمبر) 2022، والموافق للرابع والعشرين من جمادى الأولى 1444هـ. وبهذه المناسبة تناقش هذه المقالة استدلالا غير مباشر من القرآن الكريم بأن اللغة العربية هي اللغة التي تكلم بها آدم - أبو البشر - عليه السلام، وأنها هي أصل جميع اللغات.

وقد لقيت قضية «أصل اللغات» الكثير من اهتمام الباحثين في الشرق والغرب على امتداد الثلاثمائة عام الأخيرة - حيث توجد مؤلفات منشورة في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي تتعلق بالموضوع (منها كتاب منشور عام 1764م بعنوان The Origin of Language and Nations من تأليف Rowland Jones). وقد أدلى عدد غير قليل من العلماء والفقهاء المسلمين - القدامي والمحدثين - بدلائهم في هذا الموضوع. ولكن جميع هذه الدراسات لم تحسم الجدل بصورة قاطعة في الموضوع. ولكن استنادا إلى الخصائص المتفوقة للغة العربية مقارنة بغيرها من اللغات، نجد في المكتبة العربية عددا من الباحثين العرب ممن جزم بأن اللغة العربية هي أصل جميع اللغات. من ذلك، كتاب باللغة الإنجليزية للدكتورة تحية عبد العزيز إسماعيل - أستاذة علم اللغويات - بعنوان: Classic Arabic as the Ancestor of Indo-European Languages، وكتاب آخر لعبد الرحمن أحمد البوريني بعنوان: اللغة العربية أصل اللغات كلها.

أسماء الله الحسنى:

لم ترد في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة نصوص صريحة تنص على أن اللغة العربية هي اللغة التي تكلم بها آدم عليه السلام، ولكن هناك استدلال غير مباشر على هذه الحقيقة يرتكز على الآيات التي تتضمن مصطلح «الأسماء الحسنى».

ونجد أن هذا المصطلح قد ورد في أربع آيات:

• « وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأعراف 180)،

• « قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا» (الإسراء 110)،

• « اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ» (طه )8،

• « هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (الحشر )24.

ومن المعلوم أن أسماء الله الحسنى توقيفية - بمعنى أنها معلومة ومحددة بحسب ما وردت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة باللفظ العربي، مثل: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، العزيز، الحكيم، الحي، القيوم، العلي، العظيم، ... وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة.

يقول ابن عثيمين في ذلك: (لا يجوز تسمية الله تعالى أو وصفه بما لم يأت في الكتاب السنة).

وتتفوق اللغة العربية على جميع اللغات وتمتاز عنها من حيث ضخامة عدد جذور الكلمات فيها (أكثر من 16,000 جذر)، ودقة معاني الكلمات ودلالاتها، وبلاغتها وفصاحتها، والتي لا تتوفر في أي لغة أخرى. لذا يصعب جدا (أو يستحيل) أن نجد ترجمات مناسبة في أي لغة أخرى لأسماء الله الحسنى، وأي ترجمة لهذه الأسماء في لغات أخرى لا تكون من أسماء الله الحسنى.

وتتوفر ترجمات لأسماء الله الحسنى بجميع اللغات، ولكن هذه الترجمات تفيد في شرح معاني الأسماء وتقريب مفاهيمها، ولكن لا تصلح للتعبد بها. فالكلمات التالية باللغة الإنجليزية: The Beneficent (ترجمة الرحمن)، The Merciful (الرحيم)، The Most Sacred (القدوس)، The Preserver of Safety (المهيمن)، The All-Knowing One (العليم)، وغيرها ... لا يمكن اعتبارها على الإطلاق أنها من أسماء الله الحسنى.

إذن فإن آدم عليه السلام (وجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام) كانوا يدعون ربهم بهذه الأسماء الحسنى التي وردت في القرآن الكريم، وليس بأي لغة أخرى. بمعنى آخر، فإن اللغة العربية هي اللغة التي كان يتكلم بها أبو البشر آدم عليه السلام.

وأن اللغة العربية هي اللغة التي علمها الله سبحانه وتعالى آدم في قوله تعالي: «وعلم آدم الأسماء كلها...» (البقرة 31).

إذن فإن اللغة العربية هي أصل اللغات جميعا.

نماذج لدعاء الرسل والأنبياء وتخاطبهم بأسماء الله الحسنى:

توجد في القرآن الكريم آيات عديدة تبين أن أنبياء ورسله كانوا يتعبدون الله تعالى ويدعونه بأسمائه الحسنى باللغة العربية.

وفيما يلي نماذج لذلك:

(أ) نوح عليه السلام:

«وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.» (هود 41)

تضمنت الآية الأسماء: غفور، رحيم.

(ب) إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:

«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127). رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128). رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)». (البقرة 127-129)

تضمن الدعاء الأسماء: السميع، العليم، التواب، الرحيم، العزيز، الحكيم.

(ج) لوط عليه السلام:

«فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.» (العنكبوت 26)

(د) يعقوب عليه السلام:

«وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.» (يوسف 6)

«قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.» (يوسف 83)

«قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.» (يوسف 98)

تضمنت الآيات الأسماء: عليم، حكيم، العليم، الحكيم، الغفور، الرحيم.

(هـ) يوسف عليه السلام:

«يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.» (يوسف 39)

«وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ.» (يوسف 53)

«وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.» (يوسف 100)

تتضمن الآيات الأسماء: الواحد، القهار، غفور، رحيم، لطيف، العليم، الحكيم.

(و) سليمان عليه السلام:

«قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.» (ص 35)

«إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ.» (النمل 30)

«قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ.» (النمل 40)

تضمنت الآيات الأسماء: الْوَهَّاب، الرحمن، الرحيم، غني، كريم.

ويلاحظ أن الآية (30) في سورة النمل تدل كذلك على أن خطاب نبي الله سليمان لملكة سبأ كان باللغة العربية.

(ز) امرأة عمران:

«إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» (آل عمران 35)

(ح) موسى عليه السلام:

«وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.» (البقرة 54)

«وَقَالَ مُوسَىٰ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.» (إبراهيم 8)

خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام في قوله تعالى: «يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.» (النمل 9)

تضمنت الآيات: التواب، الرحيم، غني، حميد، العزيز، الحكيم.

(ط) عيسى عليه السلام:

« وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.» (المائدة 116)

اللغة العربية هي لغة الوحي، وهي لغة مشتركة بين جميع الأنبياء والرسل:

انطلاقا مما كتب أعلاه، يمكن الاستدلال كذلك بأن الوحي إلى جميع الرسل والأنبياء كان باللغة العربية، وأن اللغة العربية لغة مشتركة بينهم.

وهذا لا يتعارض مع قوله تعالي في الآية (4) في سورة إبراهيم: « وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، لأنه يصلح أن يكون الرسول قد تلقى الوحي باللغة العربية ثم يكون دعوة قومه إلى عبادة الله وتعليمهم الدين بلغتهم التي يتكلمونها. ونظير ذلك أن يتلقى الدارسون في الأقسام والكليات الشرعية تعليمهم الشرعي باللغة العربية، ثم بعد استكمال دراساتهم يقوم بعض منهم بالدعوة باللغة الإنجليزية بين الناطقين بها، وآخرون يتخصصون في الدعوة بالفرنسية، وغيرهم يدعوا للإسلام بلغات أخرى.

يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى «بلسان عربي مبين» (الشعراء 195): (وقال سفيان الثوري: لم ينزل وحي إلا بالعربية، ثم ترجم كل نبي لقومه، ... رواه ابن أبي حاتم).

ويدل أيضا على أن اللغة العربية لغة مشتركة بين جميع الأنبياء والرسل الأحاديث الصحيحة الواردة عن الإسراء والمعراج وما ذكر فيها عن تسليم الرسول عليه الصلاة والسلام على عدد من الأنبياء والرسل وترحيبهم به، ثم حواره مع موسى عليه السلام وقول موسى لمحمد عليهما الصلاة والسلام أن يرجع إلى ربه لتخفيف عدد الصلوات المكتوبة. وجميع ذلك الكلام كان باللغة العربية لأن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لا يتكلم إلا بها.

والله أعلم.