عبدالله قاسم العنزي

تجريم الهدايا المشبوهة للموظف العام

الأحد - 06 نوفمبر 2022

Sun - 06 Nov 2022

تعد جريمة الرشوة اعتداء على الوظيفة العامة؛ ولذا فهي تنطوي على اتجار الموظف بوظيفته واستغلالها على نحو يحقق مصالحه الشخصية، ومن المؤكد أن الموظف العام موجود أصلا من أجل القيام بوظيفة محددة المجال والاختصاص تعيينا وليس له أن يتقاضى من الأفراد (المواطنين أو غيرهم) مقابلا للعمل الذي يقوم به، كما لا يحق له الامتناع عن أداء واجبه أو الإخلال به لقاء أجر ما أو هدية!

ونستطيع التأكيد ودون أي تحفظ أن جريمة الرشوة من أخطر الآفات التي تصيب الوظيفة العامة وتنخر في أجهزة الدولة وتعدم وبكل تأكيد الثقة بالدولة ككل لكونها تتحول من خلال الموظفين الفاسدين إلى قطاع يبتز المواطنين وتتحول مؤسسات الدولة إلى أوكار تجلب الربح للموظفين الفاسدين دون أدنى اعتبار للمصلحة العامة والعدالة والنزاهة.

ولذا فإن القيادة الرشيدة حفظها الله قررت محاربة كل فاسد يستغل ويتاجر بوظيفته لذلك بين الفينة والأخرى يطفو على سطح الإعلام قضايا جنائية لفساد موظفين يعملون في الدولة بمختلف المناصب والقطاعات والأشكال. الذي نتحدث عنه في هذا المقال هو الهدية التي لا تكتمل معها أركان جريمة الرشوة لاعتبار أن المنظم السعودي لم ينص نصا صريحا في نظام في مكافحة الرشوة على تجريم الهدية بل أشار إلى تجريم قبول العطية في سياق المعاملة بين الموظف وصاحب المصلحة، وبصورة عامة فإن تقديم الهدية أو قبولها يجعل الموظف في موضع ريبة وتهمة خصوصا إن كان ممن لم تجر العادة في أن يهدى إليه قبل وظيفته! بغض النظر عن الهدايا الدعائية التي تأتي من الشركات أو المتاجر إلى بعض الجهات ومسؤوليها، ولا تؤثر مثل هذه الهدايا الرمزية الدعائية على سير العمل والنزاهة والعدالة فيه، ما نقصده ما حذرت منه الشريعة الإسلامية بأن يكون مدخلا للرشوة كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي! فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا؟ ومن هذا المبدأ والمنطلق فإن العلة من تجريم قبول الهدايا التي تقع في سياق علاقة مشبوهة خارج إطار العمل و تأخذ غطاء المجاملات الودية - وليس دائما - ما يقصد به التحضير لجريمة رشوة مستقبلية، حيث يقدم صاحب المصلحة الهدية دون الإفصاح عن الغرض الذي ينوي القيام به فيما بعد، وكذلك قبول الموظف هذه الهدية دون إفصاح من جانبه هو أيضا عن الغرض من القبول وذلك في وقت يكون في هذا الأخير بصدد القيام بعمل ما من أعمال وظيفته، وفي مثل هذه الحالة لا تكون جريمة الرشوة قائمة لا في جانب صاحب المصلحة (المهدي) ولا في جانب الموظف (المهدى إليه) نظرا لعدم توفر ركن الغرض نتيجة عدم الإفصاح عنه.

ولكن إن نشأت فيما بعد علاقة عملية يحدث فيها تسيير عمل ما أو الامتناع عن عمل ما لمصلحة من أهدى الموظف العام في السابق فإنه يحق لأي شخص مطلع على مثل هذه العلاقات المشبوهة إبلاغ هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن شبة فساد لإكمال اللازم، وفق الصلاحيات الممنوحة للهيئة في معالجة مثل هذه التعاملات المشبوهة، بمعنى أن الهدية تجرم إذا تحقق في المستقبل تأثيرها على سير عمل الموظف سواء في أداء عمل ما أو امتناع عن عمل ما أما إن كانت لا تؤثر على نزاهة الموظف في عمله وأدائه فإنها تكون من العادات الاجتماعية التي لا تثور نحوها أي شكوك.

expert_55@