ناقية الهتاني

«من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»

الخميس - 13 أكتوبر 2022

Thu - 13 Oct 2022

بالرغم من إيماننا جميعا بأن النفع وتقديم المساعدة من القيم الجميلة التي كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألون الله أن يكونوا أصحاب نفع ويجعلهم مباركين، إلا أنه مسألة تجعلنا نقف أمامه متأملين لصعوبة تطبيقه؛ لأن النفع لدينا ارتبط بالمسؤولية، والمصالح المشتركة، ومشاعر الحب والكره، ومفاهيم الربح والخسارة وكل منها له طرق تفكير وقناعات وآراء قد لا نصدق أنها تحكم تصرفاتنا النفعية للآخرين.

والمتأمل لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» يجد المنهج الذي لا يخضع لأي حسابات، فهو منهج حر ينطلق من القيم الداخلية للإنسان.

من يتعامل بهذا المنهج يجد سعادة يتلذذ بها وحده، لا يمكن للآخرين الذين قد يرون في أفعاله مبالغات لا داعي لها، تفسيرها أو حتى الشعور بها.

قد يكون لمواد التنمية البشرية وما يقدمه القائمون عليها دور رئيس في أخذ مفهوم النفع لطريق آخر مخالف لما قصدته شريعتنا الإسلامية السمحة، فقصص البطولة، والانشغال بالذات والأهداف، والشعور باستغلال الآخرين لإمكانياتنا وأوقاتنا، ودروس متى نقول «لا»، صنع منا متفرجين ومراقبين غير مكترثين باحتياجات الآخرين وليس لنا إلا دور المشاهدة وبألواننا المفضلة التي نراها نحن فقط، وبذلك نرى حسب أنظمتنا البشرية التي وضعناها بقناعتنا الشخصية أننا أقوى واستطعنا وضع الحد الفاصل للآخرين.

ولو قدم القائمون على التنمية البشرية، -واتخذنا نحن من المواقف الإنسانية دلائل ومؤشرات عكست صور النفع والدعم، وقضاء الحاجات التي نقدمها للآخرين، ودروس (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته)-، لحققنا نتائج أعظم، ولم يغلق باب النفع لأي حجة كانت؛ لأن الأجدر بنا فتحه والتعامل معه، والترحيب به. فالقوة الأخوية والعطاء هما النتيجة الحقيقية لوجودنا.

وفي ضوء هذه الحقائق، أترك لكم أن تتخيلوا عندما يصبح من يرى أن «محدودية النفع فن لا يتقنه إلا الأقوياء» وقد أصبح قائدا؟

أي مصير سيكون للمؤسسة التي سيعمل بها؟! وأي فريق عمل سيقوده؟! وماذا سيكسبهم من قيم وظيفية؟! كيف سيجيد تحقيق أهداف المؤسسة وما تطمح إليه؟! أنا على يقين أنه سيكون في مأزق حقيقي وأن كل أساليب القيادة ستكون عاجزة، وعليه أن يعيد حساباته ويحاول البحث عن طرق النفع للآخرين (العاملين - المستفيدين - المراجعين وغيرهم ....) لكن هذه المرة، اللغة ستكون مختلفة، والفكر مختلف، لأنه لا يصح إلا الصحيح.

لذلك يعد مجتمع الوظيفة من أهم المجتمعات التي تقدم فيها أشكال النفع المختلفة، خاصة في ضوء وجود من يفصل بين النفع في واجبات الوظيفة ودعم الزملاء، وصور النفع الأخرى.

وأشكال النفع الوظيفي متعددة ومتنوعة فمنها ما يقدم على مستوى المهام والأفكار، ومنها على مستوى زملاء العمل، وكذلك على مستوى القيادة ومن ذلك:

التعامل مع مهام العمل اليومية، وإنجازها في الوقت المحدد، فهي مرتبطة بمصالح الآخرين وبالتالي تحقيقها يعني مكاسب مهمة لهم، والمشاركة في الأفكار لتطوير الأداء، وما يتطلبه ذلك من أعمال ومهام جديدة لتحسين إجراءات العمل، هي من النفع الحسن للمستفيدين، كما أن التعامل مع زملاء العمل بالدعم والمساندة والتعاون والانسجام، من أرقى ممكنات النفع ويحقق الألفة، ويضيف العمل الجماعي القائم على التفاهم واحترام وجهات النظر المختلفة شكل آخر للنفع الإيجابي، والاهتمام بالمصلحة العامة، كل أشكال النفع هذه ماهي إلا محسنات للدور الإنساني الذي خلقنا من أجله، (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وهذه هي المدرسة المحمدية فلم يكن يسأل صلى الله عليه وسلم في حاجة لأخيه إلا قضاها.

NS_nagiah@