خالد الحمدان

الجودة ومخرجات الجامعة

الاحد - 04 سبتمبر 2022

Sun - 04 Sep 2022

انطلقت في السنوات العشر الأخيرة دعوات متعددة لتجويد وتطوير الأداء في أغلب المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة، وأنشئت مراكز وعمادات وإدارات مستقلة ترعى الجودة وتراقب متطلباتها، بل وبولغ في الأمر إلى أن أصبح مصطلح الجودة موضة (وستايل) تعطي الشكل أهمية قصوى مع التراخي في ماهية المضمون ومدى جودته، فقل أن تدخل مبنى حكومي أو تزور مؤسسة خاصة - ميدانيا أو الكترونيا - دون أن تستقبلك تلك اللافتة الشهيرة في المدخل وقد حملت الرؤية والرسالة والأهداف، وفي أغلب الأحيان هو «ثريد» قيم المظهر على مستوى التنظير لكن البلل قد أصاب من الواقع التطبيقي جله وأخفى معالم التميز التي سطرتها الرؤية وعانقتها آمال تلك الأهداف في أغلب تلك الهيئات والمؤسسات.

وفي جامعاتنا على وجه الخصوص أنشئت وكالات مستقلة تحت مسمى وكالة الجامعة للتطوير والجودة، هدفها يظهر من مسماها وهو استهداف الأداء في كل عناصره أكاديميا وإداريا وبحثيا - تطويرا وتجويدا- وإخضاعه لمعايير محددة قابلة للقياس والتقييم ثم التقويم، هذا هو المفترض، مما يتوقع معه تحقيق الهدف الأسمى لكل أعمال الجودة وآلياتها وهو الانعكاس المباشر لكل ذلك على مستوى المخرج النهائي للجامعة (الطلاب والطالبات)، بحيث نجد مخرجاتنا تتطور عاما بعد عام وتتميز ليس فقط على المستوى العلمي -على أهميته- بل أيضا على المستوى المهاري والنفسي والتربوي.

لكننا لاحظنا وخاصة في بعض الجامعات الناشئة وفي السنوات السابقة أن الجودة تطلب للجودة ذاتها، وكل أعمالها على كثرتها تستهدف تحقيق معايير شكلية تمتلئ بها الأوراق وتعج بها الاستبانات واستطلاعات الرأي، مما يتوقع أن تحقق به الجامعة اعتمادا أكاديميا أو سبقا تنافسيا تحتل به مكانا متقدما بين الجامعات، وقد يظهر ذلك كله عملا شاقا وجهدا كبيرا يروي ظمأ الجامعات المتعطشة لتحقيق الاعتماد أو نيل المكانة التنافسية أو على الأقل يسد ثغرة في أخبار الصحف المحلية.

لكنه واقعا - وعلى المستوى العملي الميداني لكليات تلك الجامعات وعماداتها - لا يلبث أن يكون سرابا يهب سرورا وقتيا بالوصول وتحقيق الغايات، ويتضح ذلك جليا وبشكل عام من خلال سمعة الجامعة -على الأقل محليا- المتراجعة علميا وأكاديميا وبحثيا، وما أنجز كذلك كخدمة لمجتمع الجامعة، بالإضافة إلى ما يظهر بشكل خاص من تدني جودة مخرجات الجامعة من الطلاب والطالبات ومستوياتهم العلمية والأكاديمية والبحثية غير المرضية.

أعتقد أن تجويد البيئتين (المادية - البشرية) في الجامعات أمر هام وتكاملي، إلا أن تجويد البيئة المادية في الحقيقة لا يعدو كونه عاملا مهيئا لتجويد العنصر البشري الأهم (أعضاء هيئة التدريس والطلاب والإداريين)، ويعد الطلاب والطالبات أهم عناصر البيئة البشرية وهدف الجودة الأسمى وغايتها النبيلة، بل وعلميا وعمليا فإن كل مستهدفات التجويد المادية والبشرية ينبغي أن تركز على تجويد أداء الطالب والطالبة على مستوى العلم النظري وعلى مستوى المهارات التطبيقية الميدانية.

وحيث إن طلاب وطالبات أي جامعة هم هدف الجودة النهائي بكل إجراءاتها وآلياتها، فينبغي أن يظهر ذلك التجويد والتطوير بشكل واضح وملموس على مستويات مخرجاتها من الطلاب والطالبات، ويتوجب أن يكون المعيار الأول لنجاح آليات الجودة بكل تشعباتها في كل الجامعات هو نوعية مخرجات الجامعة وكفاءتهم التخصصية، من خلال أدوات قياس صادقة وثابتة، وماعدا ذلك فإن كل ما تنجزه الجامعة من اعتماد أكاديمي أو مركز تنافسي متقدم محليا أو عالميا يظل محل تساؤل، مهما لمع بريقه، ولا يعكس الواقع بل ولا مضض أن أقول أنه حبر على ورق.

dkhalidalhamdan@