دلال العريفي

خدعة الشغف

الاحد - 24 يوليو 2022

Sun - 24 Jul 2022

كثرت أحاديث الشغف وتكاثرت الخلافات حوله، ولم يتفق اثنان على معنى محدد لتلك الكلمة أو مصدرها، فهي كلمة يكتنفها الغموض، وتفتقر لمقياس أو معيار ثابت يعبر عنها. ولعل من المناسب ابتداء التأكيد على أن هذا المقال ليس للجدال حول مفهوم الشغف ولا لإثارة الجدل فيه، أو لاستفزاز أصدقائنا الداعين لمطاردته، لذلك أرى أنه من اللازم تبديد السحب المتجمعة في جو الموضوع كما يقال قبل المضي في الحديث عنه.

في أحد اللقاءات يؤكد البروفيسور سكوت قالاواي أن من أسوأ النصائح التي تقدم اليوم للشباب هي نصيحة اتبع شغفك (follow your passion). والحقيقة أن أكثر ما يزعج في نصائح الركض وراء الشغف، أنها صارت عذرا قبيحا من مجابهة التغيير والخوف من التطور، وعائقا نفسيا لمجموعة من الأفراد أو الباحثين عن عمل، إذ ربما يتخلى الفرد عن وظيفة جيدة بحجة أنه ليس شغوفا بها، أو لأنها لا تتلاءم مع شغفه، وقد يتنازل المرء عن فرص وظيفية مميزة لأنه مشغول بمطاردة شغفه، ومن خبرة متواضعة، يمكن القول إن فكرة الشغف والتعلق بها كانت ولا تزال سببا رئيسيا في فساد البوصلة الوظيفية لدى فئة من الناس.

هناك ترويج لفكرة أن الإنسان لا يجب أن يعمل أو يدرس سوى ما يخدم شغفه، وقد تطول الأيام في الجري نحو ذاك الشغف وهو في الوقت ذاته جري للخلف وتراجع، وتجميد لمعاني السعي والعمل.

نتساءل.. هل الشغف مجرد خدعة نفسية؟ ماذا لو كانت فكرة الشغف وهما تسبب في إحباط الكثيرين وشعورهم بالسلبية في أعمالهم ووظائفهم؟ وهل ننكر أن فكرة المطاردة واللحاق قد تكون فكرة أكثر إحباطا لمن لا يشعر بأنه في حاجة للبحث والركض!

أنا لست ضد المشاعر الجميلة والتمسك بجماليات الحياة لكني أميل كثيرا للواقعية، للاحتكام لكلام المنطق وميزان الحياة المعتدل، لعدم المبالغة في تقدير الأشياء وإعطائها هالة متضخمة من الأهمية والاهتمام.

لا بأس أن يعمل المرء ما يحب أو يمارس هواياته أو يطارد شغفه لكن هذه الأشياء لا تأتي أولا ولا ثانيا أو ثالثا، والأمر المؤكد ألا أحد بحاجة لأي نوع من الشغف عندما يكون فاقدا للاستقرار المادي والاستقلال المالي، وأنا على يقين أن هناك أمورا أهم بكثير من التعلق بالشغف وتضييع سنوات العمر بحثا عنه، فالاعتماد على الذات والشعور بالاكتفاء، ومعرفة الأولويات وترتيبها، والتخطيط للغد، والقيام بالمسؤوليات الشخصية والاجتماعية، كلها أهم بكثير من مطاردة الشغف في دهاليز العمر.

لا يمكن أن يكتفي الإنسان بشغفه لتستقيم أمور حياته، فقد يكون الشغف في حقيقته جزءا بسيطا من عدة أجزاء، حتى في هرم «ماسلو» للحاجات الإنسانية، يأتي تحقيق الذات في قمة الهرم بعد الأساسيات، فلماذا يبدأ البحث عن الشغف في بداية الطريق، وقبل تحقيق الاكتفاء من الأمور الأساسية؟ ولتبسيط المسألة، لماذا لا نتفق على تحويل الشغف أو اعتباره هواية محببة للنفس لا تتقدم على العمل ولا تحل محل المهنة، لماذا يتم تضخيمه وكأنه حل المشكلات ومصدر السعادة الأبدية؟

هناك من يعتقد أن الحديث عن الشغف جميل عندما تمتلك ثروة ضخمة من المال، إلا أن الأهم من فكرة البحث عن شغف هو البحث عن المعنى، أن ندرك المغزى من خلقنا ووجودنا وعلمنا وعملنا، الغاية من وراء ما نقدم، المعنى الحقيقي وراء كمية الأعباء التي تثقلنا بين الحين والآخر، فهذا المعنى كفيل بمنحنا الدافع وتعزيز القدرة على مواصلة المسير، على التحمل والمواصلة، على تتبع تلك التفاصيل الصغيرة، واستشعار النعم من حولنا وشكر المنعم. وأثق تمام الثقة أن هذه الأشياء أساسية جدا في استعادة الشعور المفقود في كل شيء.

@darifi_