عبدالله قاسم العنزي

الجرم المشهود وحالاته

الاحد - 17 يوليو 2022

Sun - 17 Jul 2022

الجميع شاهد ما نقلته وسائل الإعلام عن قضية قاتل زميلته الطالبة نيرة أشرف أمام بوابة جامعة المنصورة نهارا أمام المارة، وهذا ما يسمى في الفقه الجرم المشهود أو التلبس، حيث إن عامة الناس تشاهد وقوع الجريمة حالة ارتكابها، ومن هذه الواقعة نجد أنفسنا على عتبة مسألة ماهية الجرم المشهود أو (التلبس) وهو كما عرفه الفقه بأنه حالة تلازم الجريمة نفسها وليس شخص فاعلها.

إن الجرم المشهود أو التلبس بوصفه حالة عينية لا شخصية يتحقق إذا تم إدراك الجريمة حال وقوعها، أو عقب وقوعها ببرهة يسيرة، أو إذا تتبع العامة الجاني بالصياح أو الصراخ، أو إذا ضبط الجاني حاملا معه أشياء أو أسلحة أو وجدت به آثار تدل على أنه فاعل أو شريك في الجريمة وعلى هذا النحو عبرت المادة الـ30 من نظام الإجراءات الجزائية.

إذن ثمة حالات أربع للجرم المشهود أو التلبس كما وضحته المادة الـ30 من نظام الإجراءات الجزائية ويلاحظ أن تعداد حالات الجرم المشهود وارد على سبيل الحصر وبالتالي فلا يجوز مطلقا القياس على هذه الحالات بإضافة حالات أخرى لها لم ينص عليها النظام، مهما كان وجه الشبه أو التقريب بين هذه الحالات لأن المبدأ العام في الفقه الجنائي أن يكون التفسير مضيقا للقاعدة الجنائية الإجرائية التي تمس الحقوق والحريات الفردية، وبناء على ذلك نذكر حالات الجرم المشهود على النحو التالي:

أولا: إدراك الجريمة حال ارتكابها، ويقصد بذلك أن يتم إدراك الجريمة بإحدى الحواس الخمس لحظة ارتكابها، وقد يحدث الإدراك أثناء تنفيذ الركن المادي للجريمة، أو قبيل الانتهاء من تنفيذه بأكمله؛ المهم أن هذه الحالة الأولى لا تتوافر إلا إذا حدث إدراك الجريمة حالة ارتكابها كما وقع بالضبط في جريمة قتل فتاة جامعة المنصورة.

ثانيا: إدراك الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة، ويقال لهذه الحالة أيضا إدراك الجريمة عند نهاية الفعل ويقصد بذلك أن تكون الجريمة قد وقعت ولا زالت آثارها بادية للعيان كأن يشاهد المجني عليه القتيل ولا زالت الدماء تنزف منه أو الجاني حاملا الآلة التي ارتكب بها الجريمة وهنا معيار زمني مؤداه ألا ينفصل إدراك هذه الآثار أو المتغيرات بفترة طويلة عن لحظة وقوع الجريمة.

ثالثا: إذا تتبع المجني عليه شخص أو عامة الناس بالصياح والصراخ إثر وقوع الجريمة وتفترض هذه الحالة من حالات الجرم المشهود أو التلبس وقوع الجريمة بأكملها، ثم صراخ الناس عقب وقوعها وهم بصدد متابعة الجاني أو مطاردته ومع ذلك فإن صياح الناس أو صراخهم خلف الجاني لا يعدو أن يكون قرينة على وقوع الجريمة، وقد ألحق المنظم السعودي هذه الحالة بالحالتين السابقتين مما قد يوحي باعتبارها من قبيل التلبس الحكمي إذا ما جاز اعتبار الحالة الأولى والثانية تلبس فعلية والحق أنه ليس ثمة فارق بين كافة أحوال التلبس، لا من حيث طبائعها، ولا من حيث ما ترتبه من آثار.

رابعا: ضبط الجاني و في حوزته أدلة الجريمة المادية كالمسدس أو السكين و نحوه من الآلات التي ارتكب بها جريمته أو قد يكون الجاني حائزا متحصلات الجريمة كأشياء مسروقة ، وأهم ما يميز التلبس في هذه الحالة هو ضبط الجاني حاملا معه بعضا من أدلة الجريمة.

ختاما: للجرم المشهود أو التلبس أهمية بالغة بالنظر لما يبيح لرجال الضبط الجنائي بالقيام بأعمالهم مثل القبض والتفتيش أو انتقال عضو النيابة العامة أو ندب رجال الضبط إلى مسرح الجريمة للمعاينة أو سماع أقوال الشهود أو الاستجواب وغيره من الأعمال؛ لأن هذه الحالات تنتج آثارا قانونية نص عليها المنظم السعودي في نظام الإجراءات الجزائية.

expert_55@