خليل الشريف

السرعة حقا فوق التصور

الاحد - 17 يوليو 2022

Sun - 17 Jul 2022

تنطلق موجة تطور التكنولوجيا والتواصل في العالم بتسارع شديد، بينما يظل تسارع التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتشريعية بطيئا مما يخلق فجوة تتسع يوما وراء يوم، وربما تأتي اللحظة التي تكون فيها هذه الفجوة أكبر من أي قدرة على تغطيتها، ولو تخيلنا رسما بيانيا يوضح التقدم التكنولوجي والتقني مقابل التغير الثقافي والمجتمعي سنجد أن تصاعد وتيرة التطور التكنولوجي سريع جدا، مقابل تطور الأفراد ولحاقهم بهذا التسارع.

قبل عام 1900م كانت وتيرة الحياة مختلفة تماما.. منذ ألف سنة كان الفرد يعيش عقودا من الزمن دون أن يلاحظ تغييرات جوهرية في نمط الحياة.

ولو قدر لفرد عاش في القرن السادس عشر –على سبيل المثال– أن يستمر ويعيش في القرن الثامن عشر لن يلاحظ تغيرات أو نقلات كبيرة في نمط الحياة.. لنا أن نتخيل كم الفترة التي أخذتها المجتمعات العربية والإسلامية عند اكتشاف تقنية الطباعة مثلا.. احتاج ذلك سنين طويلة حتى يتم تقبل وفهم هذه التقنية، لم تكن المجتمعات والثقافة السائدة مهيأة لفهم هذا التغيير.

بعد عام 1900م بدأت وتيرة الاكتشافات العلمية الهائلة، وبدأ التطور الصناعي والإنتاج والاختراعات وصولا لعام 1960م، هنا بدأ مؤشر التطور التكنولوجي يقفز قفزات سريعة جدا فما الذي حمله هذا الخط من التسارع، لك أن تضع آلة الطباعة، التلغراف، الآلة الكاتبة، التلكس، الحاسوب المركزي، معالج الكلمات الأول، الحاسوب الشخصي، اللابتوب، الإنترنت، الجوال، محركات البحث، تطبيقات الهواتف، البيانات الضخمة، الواقع الافتراضي، تسلسل الجينوم البشري، الذكاء الاصطناعي.

ثم جاء عام 2007م والذي أحدث نقلة نوعية هائلة في حياة البشر، كان شعار المرحلة هو شعار شركة كوالكوم (تتغير حياة البشر حين يتواصلون بسرعة كبيرة، وتتغير الحياة كلها حين تتواصل كل الأشياء ببعضها) جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتتيح منابر لكل الناس بلا استثناء المفكرين والعلماء والواعين والإعلاميين وكذلك المهمشين والعامة والتافهين والمضللين وجميع من يملك رسالة أيا كانت هذه الرسالة، لم يكن للناس قدرة على مواكبة هذه التغيرات السريعة، كانت العملية مربكة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، حتى على مستوى القانون والتشريعات.. على سبيل المثال احتاجت المؤسسات القانونية في كثير من الدول لإصدار عقوبات الجرائم المعلوماتية وقتا طويلا لتدارك المشكلات الناجمة عن هذه التطورات التكنولوجية، ففيما يصدر نظام تشريعي بطيء كانت التقنية تتقدم لتطرح مشكلات جديدة لا تشملها الأنظمة الجديدة.

المؤسسات التعليمية أصبحت تسابق الزمن لتواكب تطورات التواصل والتقنية التي جعلتها تعد تشريعات كانت أشبه بالخيال بالنسبة للأنظمة التعليمية السابقة، فمن كان سيشرع لعملية تعلم تقتضي وجود المعلم والطالب في البيت ويتم التواصل الكترونيا.

وفي سياق الوظائف هناك تطورات سريعة في عالم الوظائف، تتغير الوظائف بشكل مستمر وتتغير احتياجات الشركات والاقتصاد مع تطور التقنية بينما اللوائح والتوصيفات الوظيفية والهياكل التنظيمية في المؤسسات العامة والخاصة يتم تغييرها بشكل أشبه بزحف السلحفاة أمام تسارع التطورات التكنولوجية، مما يفرض على الأفراد التعلم المستمر الذي لا يتوقف، ويفرض على مؤسسات التعليم تغيير المناهج والتخصصات والأفكار لكن الحقيقة أن هذا لا يتم بالتسارع الكافي مما يخلق فجوة هائلة وخللا في مسيرة الدول.

وماذا بعد.. ماكينة الاكتشافات والاختراعات لا تتوقف بل تسير بسرعة صاروخية، ماذا ستفعل المجتمعات مع التطورات القادمة القريبة جدا.. إنترنت الأشياء، الروبوت الذكي جدا، الميتافيرس، الشرائح الدقيقة التي تزرع في الأدمغة، التغييرات الجينية، تقنيات النانو.. هناك الآن ذكاء صناعي يتطور لدرجة يمكن للتقنية الذكية أن تكتب مقالا علميا وفي المستقبل ربما بحث علمي كامل.. وتقنيات توفر واقعا افتراضيا لتعلم الطلاب يفوق بمراحل وجود المعلم في الواقع الحقيقي، كيف يمكن للتشريعات أن تواكب بسرعة حوادث السيارات الموجهة ذاتيا.. أو الجرائم التي تقع داخل الميتافييرس.. ماذا لو وصلت وتيرة التسارع في التواصل بين البشر للانتقال الآني.. كيف ستحفظ خصوصيات الناس؟ وكيف يمكن أن تصبح حياتهم آمنة؟!

خلاصة القول.. يحتاج البشر الآن لحل هذه المعضلة تهيئة الأفراد ليصبحوا مستمرين في التعلم دون توقف أو راحة.. ونحتاج مؤسسات تعليمية وتشريعية واقتصادية تتخذ القرارات والتحولات بسرعة شديدة وتواكب التطور أولا بأول، هذا هو الأمل الوحيد لردم الفجوة أو ستأتي لحظة ستعم العالم فوضى لا حدود لها.