صهيب الصالح

هكذا ستستقر بوصلة العالم العربي

السبت - 02 يوليو 2022

Sat - 02 Jul 2022

منذ عقود مضت دأبت بوصلة العالم العربي على الاستدلال بمحصلات التفاعلات والسياسات الرئيسة للدول المحورية فيه، وهي المملكة العربية السعودية ومصر والعراق وسوريا بصفتهم أقطاب رئيسة في المنظومة العربية، إضافة إلى الأردن بالنظر لدورها الخاص في القضية الفلسطينية، ورغم الاختلافات الواسعة في أيديولوجيات هذه الفواعل وأطروحاتها في مجال العلاقات الإقليمية؛ إلا أنها استطاعت صياغة مقاربات تحمل نسبة من الثقة المتبادلة التي مكنت من الوصول إلى مستوى مرض من التنسيق والعمل المشترك، خاصة فيما بين المملكة العربية السعودية ومصر، الذي كان ضابطا لمستوى التفاعل مع القوى الدولية الكبرى والمنظمات الدولية، وقد ساعدت هذه العلاقات في حجب المشروعات الإقليمية غير العربية، والحد من تأثير الفواعل دون مستوى الدولة، مثل طغيان النزعات الطائفية ومأسسة الميليشيات المسلحة وتهديد التنظيمات الإرهابية التي وصلت لاحقا نسبة تمثيلها في المنطقة قرابة 66% من إجمالي التنظيمات الإرهابية في العالم.

إلا أن الأزمات السياسية المتواترة على المنطقة انعكست على هذا التشكيل حتى فقدت البوصلة دليلها، فخرجت العراق من معادلة القوى الإقليمية الرائدة مبكرا حينما اجتاحت الكويت عام 1990 أولا ثم أجهضت عليها الولايات المتحدة نهائيا في غزوها عام 2003، تلى ذلك تحول سوريا من خلال حربها الأهلية إلى منصة للصراع الداخلي والدولي، مع انشغال مصر بذاتها فترة طويلة ابتدأت منذ 2011 واستمرت عدة سنوات، فكانت المحصلة الواضحة لهذه التحولات هي تراجع متسارع في مستوى الثقة أدى إلى دخول الإقليم في حالة من الفوضى العارمة وفقدان السيطرة على السياسات الرئيسة، كما تسببت بترك فراغات عديدة ساعدت دولا أخرى من خارج الإقليم العربي وداخله على رسم سياسات تصاعدية تقطع بها مسافات أقصر بغية الوصول إلى مواقع ريادية في الإقليم لاحتلال هذه المواقع الفارغة، فصاغت بعضها مقاربات خشنة للتعامل مع تلك الفوضى مثلما عملت عليه إيران وتركيا، وبعضها الآخر انتهج سياسات ناعمة قوامها الاستثمار والعمل الدبلوماسي والسياسي مثلما ذهبت إليه دولة الإمارات.

ويمكن القول بأن نماذج القيادة الجماعية المتمثلة في المجالس الرئاسية التي قدمتها كل من ليبيا عام 2015 والسودان عام 2019 واليمن عام 2022 كانت بمثابة تتويج لانتهاء مرحلة الفوضى وتراجع مستوى الثقة الإقليمية؛ كونها ركزت على غالبية دول الأزمات في المنطقة العربية، وقدمت صيغة مثلى تعطي الفواعل الإقليمية ضمانة تحقيق رؤاها في التسوية الشاملة لتلك الأزمات إذا ما قوّضت هذه الجهود أهداف تحصين المواقع والنفوذ للشخصيات والمكونات السياسية الداخلية في تلك الدول، ونحن نشهد الآن تراجعا ملموسا لتأثير الفواعل دون مستوى الدولة، رغم استمرار قدرتها على التكيف والمرونة في تكتيكات العمليات وإعادة الانتشار، فلم يعد مثلا تنظيم داعش الإرهابي متماسكا من الداخل حتى مع محاولاته المتكررة إعادة التموضع القيادي والمكاني، مما يجعل العمل الإقليمي على زيادة قوة مؤسسات الدولة المركزية في البيئات الحاضنة للإرهاب ضرورة ملحة بمعية ضمانة استمرار غياب التوظيف السياسي لتلك التنظيمات من الفواعل خارج الإقليم العربي؛ لتحقيق الاستقرار المنشود في بقية مناطق الصراع، ومن هذا المنطلق يمكن تفسير العودة الجزئية للعلاقات العربية السورية قبل احتمال قبول عودتها كليا إلى الجامعة العربية.

ويسبق انعقاد القمة المرتقبة الشهر المقبل، التي دعت إليها المملكة العربية السعودية مع الرئيس الأمريكي ودول البوصلة العربية، الخليج ومصر والأردن والعراق، يسبقها تحولات هامة تمثلت في عودة الدور المصري الفاعل إلى الإقليم، وكثافة النشاط الدبلوماسي متعدد الأطراف الذي يهيئ لاعتماد توازنات جديدة كان قد أعيد تشكيلها خلال المرحلة الماضية، والتي من المهم أن ترسم بدورها محددات وضوابط التفاعلات المستقبلية مع القوى الكبرى والقوى الإقليمية والمنظمات الدولية، إلى جانب تشريحها أنماط التهديدات الأمنية وروابط العلاقات مع العالم من خلال تقريب دوائر التفكير الأمني والسياسي نحو التطابق أكثر، مما قد ينبئ بأن دول البوصلة العربية نفسها ستتقرب من بعضها أكثر فأكثر لمواجهة أزمة الثقة وزيادة مستوى الأمن الذي سيعزز تلقائيا الاستقرار السياسي وسيحفز البيئة الاستثمارية، خاصة وأن الاستثمار هو أحد أبرز عناوين اللقاءات البينية بين كل هذه الفواعل خلال الفترة القصيرة الماضية، وهكذا ستعود بوصلة العالم العربي إلى دليلها مجددا.

@9oba_91