زيد الفضيل

أخطر ما نواجهه مستقبلا

السبت - 02 يوليو 2022

Sat - 02 Jul 2022

لم تكن الحروب على الرغم من بشاعتها وسوئها وحجم التدمير فيها وكثرة المقتولين بها هي أخطر ما تواجهه الشعوب مستقبلا، لكونها ستكون خاتمة وابتداء لكثير من الأشياء، حتى مع ما تخلفه من أوجاع ومآس، إلا أن الشعوب الحية تستطيع أن تتجاوز آثارها، وتعيد بناء نفسها، وترتقي من جديد صوب آفاق مستقبلية بقوة واقتدار، والشواهد قائمة أمامنا، ففي التاريخ المعاصر تمكن الألمان من بعد تدميرهم الكلي واجتياح أراضيهم من قبل قوات الحلفاء علاوة على قوات الاتحاد السوفيتي، من أن يبدؤوا بإزالة مخلفات الدمار عن كاهلهم، ويستعيدوا بناء دولتهم بقوة وثبات، واليوم باتت ألمانيا المدمَرة مثار استقطاب لكثير من الدول المدمِرة والشعوب المنكسرة.

ولا يقف الأمر عليهم بل إني وجيلي شهود على تجربة مماثلة وهي تجربة إعادة البناء في دولة البوسنة والهرسك التي تعرض أهلها لأبشع حرب عنصرية قادها الصرب وحلفاؤهم، وتم تدمير مدنهم وقراهم وقتل الكثير من أفرادهم بشكل وحشي، ثم وحين أنجدهم العالم وتم وقف المحرقة التي قادها الصرب، استعاد البوسنيون حياتهم، وتساموا على أحزانهم، وأقاموا دولتهم التي باتت منتجعا جميلا يأوي إليه الناس من كل أنحاء الدنيا.

ما أريد أن أقوله هو إن الحروب ومهما بلغت بشاعتها وسوؤها ليست نهاية العالم، وليست أخطر ما يمكن أن يواجهه الإنسان، الذي سيخرج من أتون نارها وهو في كامل قواه المعنوية على أقل تقدير، فمن مات من أهله ورفاقه قد ماتوا في ميادين الشرف، وما تدمر في بلدته وقريته لم يكن له فيه شأن، وكان كل حجر فيها مقاوما ومحاربا مثله، وكل ذلك سينعكس بإيجابية على إرادته التي ستجد سلوتها في استعادته لخبايا نفسه وبقايا ذاته، وهو التحدي النفسي الذي سيعمل على تجاوزه بكل إنجاز مادي ومعنوي يحققه.

واقع الحال فإن أخطر ما يواجهه الإنسان مستقبلا هو موت إنسانيته في داخله، وتحوله إلى وحش كاسر ينهش في لحم أقرب الناس إليه من أجل أن يعيش، وكل ذلك كائن ويكون بسبب الجوع. الجوع الذي باتت مقدماته ظاهرة للعيان والذي لم يعد مرتبطا بمجتمع معين في أرض محددة، بل صارت مظاهره مهددة لجميع الناس، وبخاصة من بعد بروز أزمة الغذاء العالمي جراء التغير المناخي وزيادة مساحات التصحر نتيجة لقلة الأمطار، وبفعل التدمير الممنهج باسم المدنية وتوابعها لكثير من المسطحات الخضراء، علاوة على تبعات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، التي كان لها تأثيرها الواضح على سلاسة إمداد وتوريد الغذاء وبخاصة القمح إلى كثير من الدول.

وهو ما يشير إليه التقرير السنوي للشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، وذكره صراحة المدير التنفيذي لبرامج الأغذية العالمي، وكذلك المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات الذي أبان في تصريح له إلى أنه من الواجب ألا يكون هناك مكان للجوع في القرن الحادي والعشرين، غير أننا نشهد دفع الكثير من الناس إلى ذلك.

إنه العطش والجوع الذي سيدمر جوهر كل أحد، وستقف أمامه عاجزة كل الشعوب مستقبلا، وسيغير طبيعة ميزان القوة، فمن يملك شربة ماء ورغيف خبز سيكون متحكما في الآخر، كما إن من يصل به الجوع إلى درجة الهلاك لن يتوانى أن يأكل لحم أخيه ميتا ليعيش، وتلك هي غاية الوحشية التي ستدمر ما بقي في هذا الكون من أنسنة تائهة بطبيعة ما نحن منجرفون فيه من أتمتة ذكية كما يقال.

أشير إلى أننا في دول مجلس التعاون الخليجي نستورد قرابة 85% من المواد الغذائية، وهذا يعني بأننا لم نستفد من التقنيات الحديثة في الزراعة التي تساعد على تجاوز ما نعيشه في شبه الجزيرة العربية من جفاف وقلة للأمطار بشكل عام، كما لم نتوسع في زراعة المناطق الصالحة سواء في المملكة أو سلطنة عمان بخاصة، وهو أمر يدعو للتأمل والاستفسار.

وحتما فإن التوسع في هذه المعالجات سيعفي دول الخليج من خيار الاعتماد على الاستيراد الذي يعرضها لمخاطر اضطرابات الإمداد وارتفاع الأسعار. كما يعفيها من مخاطر الاستثمار الزراعي في الخارج، الذي لن يستمر في حالة حدوث أزمة غذائية عالمية حقيقية، حيث سيتم فرض التقنين أو حظر التصدير للدول المستثمرة حتى لو كانت مالكة للأصول الزراعية في تلك الدول.

أخيرا أشكر «المجلة العربية» على تصدير عددها الشهري الحالي بعنوان «جوع العالم» في إشارة منها باسم المثقف السعودي والعربي إلى عين الخطر الذي سيكون مدمرا للأمم مستقبلا. فهل من مدرك واع؟

zash113@