دلال العريفي

استراتيجية الحصان الميت

الثلاثاء - 21 يونيو 2022

Tue - 21 Jun 2022

تقول القصة الحزينة «إن الحصان عندما كبر سنه، وزاد اعتلاله، واقترب أجله، تنبهت إدارته صدفة لحاله، وأدركت خطورة وضعه، فبذلت الكثير لاستعادة ما فقد واسترجاع ما ضاع، فأولا تم الاستعانة بفريق استشاري لتقييم الحالة الصحية للحصان ووضع استراتيجية تتضمن الإشراف والرقابة عليه حتى الرمق الأخير، وثانيا تم الاستنجاد بخبير أجنبي أفاد بضرورة طلب سوط جديد أشد وأقوى وأطغى لضرب الحصان، إذ ربما كان ذلك النوع قادرا على إعادته للحياة، وثالثا تم إنشاء لجنة متخصصة لدراسة وتحليل الأسباب التي أدت إلى تدهور الحصان، وأخرى لاستخلاص النتائج وكتابة التقارير، وثالثة للقيام بجولات ميدانية داخلية وخارجية للتعرف على كيفية التعامل مع الجياد التي أوشكت على الموت».

هذه بلا شك سلسلة من الجهود الجبارة، والإجراءات الإدارية المتسلسلة، والتي تستحق وبجدارة أن توصف بالغباء اللا محدود.

فكل الأعمال الإدارية وإن بدت في ظاهرها جيدة فهي بلا فائدة إن لم تجلب من ورائها قيمة حقيقية، أو نتائج تبين تحقيقها للأهداف التنظيمية.

لذلك من البديهي جدا القول إن كل عمل لا يحقق هدفا ولا يجلب نفعا ولا يسهم في تطوير فهو جهد ضائع يستنزف المؤسسة، ومقدراتها ومواردها ويؤثر على أدائها وسمعتها ومستقبلها.

وبرغم الاقتناع أحيانا أن الحصان ميت لا محالة، والحصان هنا قد يكون آراءنا التي نتشبث بها بقوة أحيانا، أو المشاريع والبرامج والاستراتيجيات التي نتمسك بها برغم إخفاقها، وربما يكون حصانك أحيانا هو تلك المشكلات التي تواجهك، فلا فائدة من إنكار وجودها، ولا حاجة لتقبل وجودها على مضض، وليس هناك جدوى في البحث عن جهة نرمي عليها اللوم ونتخلص نحن من المسؤولية.

الإصرار العجيب على تقبل وتحمل المشكلات أو الاستراتيجيات الخاطئة، أو البرامج الفاشلة والأداءات البائسة للأفراد والتهرب من الاعتراف بها ومواجهتها، أسلوب لا جدوى منه يؤكد كل مرة فشل الإدارة في التعامل معها، وربما يطرح عشرات الأسئلة عن غياب الدور الحقيقي للمدير، عن جداراته ومهاراته في إدارة الأمور، عن الهوية التي يريد للمؤسسة أن تعبر عنها.

إن التعامل مع المشكلات والأزمات أيا كانت يتطلب الاستعداد لها قبل حدوثها، والاعتراف بها بعد ذلك، ثم المواجهة لاحتوائها وعلاجها فورا بالتركيز عليها دراسة وتحليلا علميا منطقيا، والبحث عن حلول وبدائل فعالة.

كما أنه من المهم واللازم التعلم من كل حدث، والاستفادة من كل أزمة، إذ أن تراكم الخبرات يعطي قوة حقيقية للأفراد والمؤسسات في ذات الوقت.

ولطالما كانت الأزمات وإن كبرت أو المشكلات وإن صغرت فرصا للانطلاق نحو التغيير الشامل، وتجويد الأعمال، وتطوير المنظمات والعاملين بها، وأن استثمارها ربما يكون سببا للنهوض من القاع للقمة.

فكثير من قصص النجاحات تؤكد أن الاستراتيجات المتخبطة ليست إلا هدرا وجرما في حق المؤسسات وأفرادها، وأن الأشياء العظيمة لا تتحقق هكذا ببساطة، إذ يتطلب الأمر قناعة كاملة بأن أفضل استراتيجية هي أن تنزل فورا عن الحصان حين تكتشف أنه ميت أو على وشك الموت كما يقول الهنود الحمر.

فإذا كان هناك مشروع متهالك لم يكتب له النجاح فليس من الحكمة الاستمرار في تغذيته ماليا، وتخصيص اللجان وتقديم الاستراتيجيات من أجله، وعندما يكون هناك أزمة فليس من المعقول ولا المقبول تجاهلها والبحث عن مشتتات أخرى هربا من مواجهتها، وإذا كان أداء المدير ضعيفا منهكا حد الموت فالأكيد أنه لم يثبت حتى الآن أن هناك استرتيجية تضمن استرداد الحياة والنجاة من الموت.

@darifi_