فهد إبراهيم المقحم

من الذي يجب أن يقود رحلة التحول الرقمي؟

السبت - 18 يونيو 2022

Sat - 18 Jun 2022

أجرت هارفارد بزنس ريفيو في عام 2019 استطلاعا مع عدد من الرؤساء التنفيذيين، ووجهت لهم هذا السؤال: من الذي يجب أن تختاره لقيادة التحول الرقمي لشركتك من المرشحين أدناه؟

  • وليام: أحد الملمين بأعمال وأنشطة الشركة لفترة طويلة؛ ولكنه لا يعرف الكثير عن التقنية.

  • سارة: محترفة تقنيا في مقتبل عمرها، نجحت مؤخرا في قيادة توسع ملحوظ في مبيعات شركة أمازون.

  • صوفيا: مستشارة سابقة في شركة ماكنزي، تتمتع بخبرة في تقديم الاستشارات الرقمية.




اختار معظم الرؤساء سارة، فهل كانت إجابتهم صحيحة؟!

هذا السؤال نابع من تجربة حقيقية لشركة عالمية تعمل في مجال صناعة الأجهزة، فحين قررت الشركة أن تخطو خطواتها الأولى في رحلة التحول الرقمي، قررت استقطاب موظفة بارعة تقنيا (ولنسمها سارة) كانت تعمل في شركة ريادية للتجارة الالكترونية، وقد استطاعت خلال عملها تحقيق نجاح ملحوظ في قيادة مشاريع توسعية للشركة.

بعد مضي شهرين من استقطابها، قامت سارة بتعميم الاستراتيجية الرقمية على كافة القيادات في شتى فروع الشركة.

وعلى الرغم من براعتهم، كمهندسين موهوبين، إلا أن استجابتهم لهذه الاستراتيجية ضعيفة؛ لخوفهم وقلقهم من الآثار المحتملة من هذا التغيير! لذا قررت سارة إنشاء وحدة أعمال مستقلة، بعيدا عن فروع الشركة، وتوظيف أفضل المواهب التقنية من أجل تنفيذ الاستراتيجية الرقمية وإعادة تصاميم نماذج الأعمال دون الاصطدام بعوائق القيادات التنفيذية المتخوفة والمترددة.

النتائج الأولية مبشرة، فقد استطاع فريقها دراسة رحلة العميل (من المصنع إلى محلات التجزئة) وبناء الحلول الرقمية المناسبة؛ لكن المبيعات أقل من الطموحات.

يرى الفريق أن ذلك يعود إلى قلة ميزانية التسويق الموجهة للمبيعات الرقمية، ولذا لجأت سارة إلى إقناع صاحب الصلاحية بتحويل ميزانية المبيعات عبر القنوات التقليدية إلى التوجه الجديد لمبيعات الشركة من خلال المنصة الرقمية؛ ونتيجة لذلك زادت تلك المبيعات.

لكن الأمر الذي لم يكن بالحسبان، هجمات مرتدة خلال هذه الرحلة الرقمية من أطراف عدة!

تواصل العديد من العملاء مع الشركة لمحاولة فهم فروقات الأسعار بين المبيعات الرقمية والتقليدية، كما رفع آخرون شكاوى عدة بخصوص مشترياتهم الرقمية التي لم تصلهم بعد! والأسوأ من ذلك، بدأت المبيعات عبر القنوات التقليدية، والتي تمثل 99% من الإيرادات آنذاك، في الانخفاض.

ولذا قررت القيادات التنفيذية في الشركة إيقاف التعاون مع القنوات الرقمية، ونتيجة لذلك، انهارت المبيعات الرقمية وعادت إلى الصفر بعد 8 أشهر!

والسؤال المطروح هنا: لماذا فشلت سارة وفريقها في تنفيذ الاستراتيجية الرقمية؟

بعد بضعة أشهر، قامت الشركة بجولة أخرى في رحلة التحول الرقمي، ولكن هذه المرة استعانت بمستشار وخبير في التحول الرقمي، وكانت التوصية اختيار قائدة من الداخل كانت مستبعدة تماما في الجولة الأولى لقلة خبرتها التقنية، قائدة من قطاع المبيعات (ولنسمها نورة).

في البداية ترددت نورة من قبول هذا التكليف، لأنها ذاقت مرارة ما حدث في الجولة الأولى، بل كانت من المعارضين للتحول الرقمي في بادئ الأمر.

ولكن بعد عدة مداولات ونقاشات حول ثمرات هذه الرحلة، قبلت هذا التكليف وبدأت خوض الرحلة من جديد.

من الذكاء القيادي لديها أنها لم تطلب حل الفريق الرقمي والتخلي عنهم، بل أبقتهم للاستفادة منهم في الجانب التقني، لكنها بالطبع أعادت تصميم الاستراتيجية من خلال عقد جلسات مكثفة مع كافة قيادات الشركة، وجلسات أخرى مع عدد من كبار العملاء بهدف فهم الاحتياجات ودراسة التحديات والمعوقات.

كان نتاج ذلك، استراتيجية رقمية جديدة جمعت بين الحكمة في اختيار الحلول الرقمية الأمثل لطبيعة عمل الشركة، بالإضافة إلى تحقيق الاتزان بين المبيعات التقليدية والرقمية.

بعد ذلك، حرصت نورة على تهيئة فريق مبيعات الشركة وقياداتها التنفيذية لتنفيذ الاستراتيجية الرقمية، وتحفيزهم، من خلال إيضاح ثمراتها وأثرها الإيجابي في تحقيق أهدافهم الوظيفية.

وفي مرحلة التنفيذ، حرصت نورة على زيارة بعض العملاء، والاطلاع عن قرب على تجاربهم في شراء الأجهزة عبر القنوات الرقمية، مما نتج عنه تحسين مستمر لتلك القنوات.

هذه المرة، نجحت الشركة في جولتها الثانية، بل وأصبحت رائدة رقميا!

وبالمقارنة بين الجولتين، يتضح أن التحول الرقمي ليست رحلة منعزلة يقودها تقنيون بارعون بهدف توفير الحلول والأدوات الرقمية المتقدمة، بل هي عملية مستمرة ومشتركة بين كافة أصحاب المصلحة.

وإجابة على سؤال المقالة: في الواقع، ليست هناك إجابة واحدة، وإنما هناك معايير محددة يجب مراعاتها عند اختيار قائد لمبادرات التحول الرقمي في أي منظمة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

  • دراية جيدة بمجال المنظمة، ونماذج أعمالها، وأصحاب المصلحة من كافة المستويات.

  • فهم عميق لاستراتيجية المنظمة وما تتضمنه من أهداف ومبادرات وخدمات، وفهم جيد للوضع الراهن وما يتضمنه من منجزات وتحديات.

  • امتلاك مهارات التخطيط الاستراتيجي والتفكير الإبداعي.

  • دراية جيدة وواسعة بالتقنيات الحديثة واستخداماتها.

  • امتلاك مهارات القيادة، وإدارة التغيير، والتواصل الفعال.

  • التحلي بسلوكيات الشجاعة، والشغف، والرغبة المستمرة في التحسين المستمر.




في دراسة حديثة نشرت في مجلة أكاديمية الإدارة عام 2020 تحت عنوان: «من المسؤول عن التحول الرقمي؟» أظهرت أن العديد من المنظمات لجأت إلى استحداث منصب قيادي جديد في هياكلها التنظيمية لتولي زمام قيادة التحول الرقمي واستقطاب من تنطبق عليه المعايير أعلاه.

هذا المنصب يدعى «الرئيس التنفيذي للتحول الرقمي (CDO)»؛ إلا أن الكثير من تلك المنظمات أخفقت في التطبيق وأحدثت إرباكا في الحوكمة وتحديد المهام، مما أفضى إلى التراجع عن هذا التغيير أو الترقيع بحلول غير مجدية.

لا شك أن هذا المنصب يعد هو الوضع المثالي، ففي إحداثه مرونة عالية لاختيار القائد الأمثل للمرحلة، وتحديد أفضل لتموضع المبادرات الرقمية بين أصحاب المصلحة والذراع التقني، الذي يعد ممكنا لتلك المبادرات، هذا التموضع يعطي قائد التحول الرقمي فرصة لفهم الوضع الراهن بشكل حيادي، وبالتالي قدرة على تحديد الاحتياجات والطموحات المستقبلية، ومن ثم اقتراح الحلول الرقمية المناسبة لسد الاحتياجات وتحقيق الطموحات بأفضل النتائج الممكنة، مع مراقبة محايدة للأداء الرقمي.

ولكل مقام مقال، فليست كل المنظمات قادرة على استحداث هذا المنصب، وبالتالي عليها أن تسدد وتقارب في اختيار الشخص الأمثل وفقا للمعايير أعلاه، لكن يجب أن لا تكون الحلول المتبعة مجرد تغيير لأسماء مناصب وظيفية أو إدارات، أو ردود أفعال متخبطة استجابة لظروف طارئة، والأسوأ من ذلك، أن يتم اختيار شخص لا يعرف كوعه من بوعه، سواء في مجال عمل المنظمة، أو في مجال التقنية!

@moqhim