بندر الزهراني

الفصول الدراسية فصلان أم ثلاثة؟!

السبت - 18 يونيو 2022

Sat - 18 Jun 2022

قد نختلف أو نتفق حول كثير من القرارات، سواء كانت أكاديمية أو كانت تتعلق بشؤون الحياة اليومية، واختلافنا واتفاقنا حول أي قرار إنما هو في الواقع مرحلة من مراحل تطور القرار نفسه، بغض النظر عن مقدار خطأ القرار أو صوابه، وهذا ما يخلق موضوعا أو مادة للجدل، وفلسفة القرار بهذه الطريقة ما هي إلا تطبيق حرفي لفلسفة (هيغل)، حيث يكون القرار فكرة أولية، تتطور من خلال مناقشة مجموعة من التناقضات تنشأ بين المتحاورين إلى أن يصل القرار مرحلة من النضوج كافية، أو تبدأ على أنقاضه مناقشة استخدام القرارات البديلة عوضا عنه.

أحد القرارات التي أثارت جدلا بين الأكاديميين هذه الأيام قرار الفصول الدراسية الثلاثة، حيث شهدت الساحة الأكاديمية جدلا ناعما بين من هو مؤيد للقرار وبين من هو معارض له، ولكن هذا الجدل مجازا -بالرغم من ظهوره على الساحة- إلا أنه ما يزال ناشئا، ويحتاج لمناقشة (ديالكتيكية) حتى يتطور معها القرار، فلا المؤيد كشف أسباب تأييده ومناصرته، سوى الميول الشخصي وموافقة متخذ القرار، ولا المعارض عرض أسباب اعتراضه بشكل يخلق مادة حقيقية يرتكز عليها الحوار، سوى الاعتراض المبني على الحدس وحسب.

من ناحية شكلية، قرار الفصول الثلاثة في الجامعات يختلف عنه في التعليم العام، لأن الجامعات بنظامها الجديد لها استقلالية تامة في قراراتها الإدارية، خاصة الجامعات التي شملها قرار الاستقلال ابتداء، وبالرغم من أن الجامعة -بنص النظام- مؤسسة أكاديمية عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا، إلا أننا لم نسمع عن ندوة حوارية مفتوحة عقدها مجلس أمناء أي من الجامعات أو إداراتها العليا لمناقشة قرار الفصول الثلاثة، لا مناقشة آلية تطبيقه بعد إقراره!

قد يقول قائل: إن الجامعات بخلاف غيرها مهيأة للعمل بنظام الفصول الثلاثة، على اعتبار وجود فصل صيفي، دائما ما يكون حاضرا في الروزنامة الأكاديمية في كل عام دراسي، وهذا أمر صحيح من ناحية شكلية، أما من ناحية فنية فالأمر مختلف تماما، فالفصول الثلاثة قد تلغي الفصل الصيفي، وتخلق في المقابل (ربكة) في الجداول الدراسية، وفي المناهج وأوزانها العلمية، وقد تعيدنا إلى خانة الصفر عند مراجعة الاعتمادات الأكاديمية التي صُرفت عليها الأموال والأوقات، ووضعت على أساسها الخطط والاستراتيجيات.

شخصيا، أنا لست مع نظام الفصول الدراسية الثلاثة، وفي نفس الوقت لست ضده، لكنني من جهة أجدني مع التجديد والتطوير وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهذا ما أؤمن به، وأسعى لترسيخه، ومن جهة أخرى أجدني ضد القرارات العارية، أعني المتجردة من البدائل، والقرارات غير المدروسة بشكل كاف، أو تلك التي لا تخضع للتجربة والاختبار، ولا تتعرض للنقد الموضوعي الهادف.

من وجهة نظري المتواضعة، أرى أن متخذ القرار الأكاديمي ليس مطلوبا منه أن يكون دائما ديالكتيكيا أو براغماتيكيا، بل يجب أن يكون واقعيا عقلانيا، مؤطرا بأهداف محددة، ملموسة وقابلة للتحقق، وعند اتخاذه للقرار يجب أن يقدم أسباب قراره، مستعرضا معها النتائج الممكنة والآثار المتوقعة، وإيجابياته وسلبياته، ويقدم جملة من البدائل عند التجريب والاختبار، وإلا أدخل نفسه في حلقة مفرغة، لا ينجو منها إلا بالهروب نحو صناعة الأعذار، واختلاق المبررات.

ربما بعض قراراتنا المستعجلة تدخل تحت فلسفة ما يسمى بالسببية ذات الأثر الرجعي، بمعنى أنها نتيجة تسبق أسبابها، وهنا سندخل في إشكالية مفاهيمية، وربما دخلنا في مسائل فيزياء الكم والميتافيزيقيا المعقدة، وبالتالي علينا مسابقة الزمن ذهابا وإيابا، أو السفر فيه عكسا، ويصبح الماضي عندئذ كالمستقبل! أو أن الحاضر له مسببات في المستقبل لا نعلمها الآن! وفلسفة من هذا النوع لا بد وأن تتعارض مع عمليات (ماركوف) التي تعتمد على الانتقال من حالة لحالة للتنبؤ بما سيحدث في المستقبل.

أحد طلابي الأذكياء جاءني ذات مرة وقال لي: تؤمن بالفلسفة يا دكتور؟ قلت: كذا وكذا؟ قال جدلا: سأنجح في مادتك بأثر سبب رجعي، شئت أم أبيت، فالمسألة عندي مسألة وقت، ونجاحي نتيجة حتمية لأسباب رجعية لا أعلمها أنا، ولا أنت، ولن أخوض فيها أو أبحث عنها الآن، فلما انتهى الفصل الدراسي لم ينجح الفيلسوف الصغير! فقلت مازحا ومواسيا له: يا بني لو أن الفلسفة تغني من جوع لرأيتني اليوم رئيسا لهارفرد!

drbmaz@