أحمد بن قروش

التعريف الغربي للحرية حين يخونه التطبيق

الخميس - 09 يونيو 2022

Thu - 09 Jun 2022

الحقوق الإنسانية كمفهوم هي ثوابت في هذه الحياة ولا يشكك في ذلك عاقل، فجميع الثقافات تعترف بوجود حقوق إنسانية يجب أن تصان ويجب أن تمنح، ولكن المعضلة تكمن في عدم الالتفات إلى الاختلافات التي تتبناها الثقافات المختلفة حول طبيعة هذه الحقوق عند تقييمها والمطالبة بتطبيقها، فنحن نعلم بأن كل ثقافة لها خصوصية معينة في هذا الجانب تشترط توافق طبيعة الحقوق الإنسانية مع ثوابتها وقناعاتها وتشمل هذه الاختلافات التي يجب مراعاتها عند الحديث عن الحقوق الإنسانية الكثير من الأمور كالاختلاف في الدين مثلا أو الأعراف أو غيرها من الأمور، وهذا ما يتجاهله الكثير ويحاول رغم علمه بخطأ ما يفعل تعميم ثقافته وفرض الحقوق التي تتبناها على غيرها من الثقافات دون الاهتمام بوجود ما ذكرته من خصوصيات متباينة في كل ثقافة وهنا تكمن الإشكالية الرئيسية في هذا النهج.

إن ما يتجاهله الكثير من المنتمين للثقافة الغربية تحديدا وهي الجهة المعنية بالحديث في هذا التناول حقيقة اختلافها عن غيرها من الثقافات وبالتالي اختلاف فهم وتطبيق الحقوق فيما بين تلك الثقافات وأهم هذه الحقوق التي تطالب بها المجتمعات الغربية هو حق الحرية كما تعرّفه شرائعها ودساتيرها وكأن حق الحرية كائن هلامي لا يعيشه ويؤمن به إلا هم، أضف إلى ذلك إشكالية أكبر تكمن في سوء تطبيق حق الحرية حتى عند الدول التي تنادي بها وتطالب بتطبيقها حيث إننا نراها تعيش تضاربا واضحا بين فهمها للحرية كتعريف وبين تطبيقها لهذا الفهم والذي تظهر فيه سياسة الكيل بمكيالين في استهتار واضح واحتقار من قبلها لقيم ومعتقدات الآخرين.

وأبرز مجتمع غربي يتجلى فيه هذا الخلل والتضارب بين تعريف الحرية وبين تطبيقها هو المجتمع الأمريكي، حيث نجد في دستوره مادة دستورية معنية بموضوع الحرية هي الأولى فيه والأهم بين مواده تقول هذه المادة - مترجمة -: «التعديل الأول ينص على منع الكونجرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين) من صياغة أي قوانين تحظر إنشاء ديانات، أو يعيق حرية ممارسة الدين، أو يحد من حرية التعبير، أو التعدي على حرية الصحافة، أو التدخل في حق التجمع السلمي، أو منع تقديم التماس للحكومة للحصول على الانتصاف من المظالم».

وكما ترون فمحتوى هذه المادة واضح وصريح ولا يحتمل أي تأويل قد يتم تفسيره بطريقة مغايرة لما هو منصوص عليه فهو ينادي بحرية التعبير كأول حرية ذكرت في تلك المادة الدستورية مما يدلل على أهميتها وهي تشمل حرية المعتقد وحرية الرأي وحرية الاختيار إلا أن هذا التعريف يعاني من خلل كبير عند التطبيق، خلل تشترك فيه جميع المجتمعات الغربية وليس فقط الأمريكان ولعل أبرز مثال على ذلك موضوع «الحجاب» الذي نرى كيف تتم محاربته بشراسة منقطعة النظير وتشويه الدين الذي يحث معتنقيه من النساء على الالتزام بهذا النمط من اللباس في مناقضة تامة لمعايير حرية التعبير التي أوردها الدستور الأمريكي نفسه مما يظهر تناقض فاضح بين تعريف الحرية وبين تطبيقه، وهذا فية دلالة بينة على المعضلة الغربية الموجودة بين تعريفها الفكري والعملي لمفهوم الحرية وبين الممارسة الفعلية له ما يسقط أي حديث أو زعم يصدر منهم يقول بأنهم بلاد تمنح حق الحرية الفردية للجميع دون حدوث أي تمييز بينهم أو قيود.

المؤسف أن هذا الفهم المغلوط للحرية انتشر حتى في مجتمعاتنا المسلمة وأصبح له هيئات ومؤسسات ومنظرون ومنظرات يهاجمون «الحجاب» متبنين في ذلك النظرة الغربية الدونية له وللمتمسكات من النساء المسلمات به، وهذا ما أصبحنا نراه بوضوح في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بل وفي ميادين العمل، وأصبح عنوان التحرر والتطور في أذهان الكثير من النساء يكمن في التخلي عن «الحجاب» رغم علمهم بأن هذا النهج مرفوض دينيا ومجتمعيا، ما يجعل وجود هذا الفهم القاصر للحرية في مجتمعاتنا بعد أن أصبحت إرهاصاته في غاية الوضوح يحتم علينا وجوب التعامل الجاد والصارم معه وعدم التهاون والتسامح مع كل من يتبناه ويروج له وكل من يتهجم ويتعدى على ثوابتنا الدينية والمجتمعية أيا كانت هويته ومكانته.

@bingroosh507