راجح عبدالعزيز الحارثي

دينامية الإعلام السعودي – تقلبات المشهد الإعلامي (4)

السبت - 04 يونيو 2022

Sat - 04 Jun 2022

مرّ إعلامنا السعودي بمراحل فضية وذهبية وبرونزية في قطاعاته المختلفة والمتنوعة، وعجز في بعض منها.

التقلبات سواء كانت إيجابية أو سلبية، هي دروس يجب أن نتعلم منها، وأن نعتز بكل مرحلة فيها، فالتاريخ نحن من يصنعه، ونحن من يجب أن يسهم فيه عبر استشراف واقعنا، ومستقبل ذلك الواقع.

تاريخيا، انبثق نور إعلامنا بحدث مهم.. كان ذلك الحدث هو القبس الذي أوقد مشعل الإعلام السعودي قبل مائة سنة، ففي عام 1924م تم تأسيس صحيفة أم القرى، ليصبح قطاع صناعة الصحافة والنشر في السعودية، هو أول قطاع تم تأسيسه في منظومة الإعلام السعودي، والذي سبق جميع قطاعات الإعلام الأخرى بنصف قرن من الزمان تقريبا. كانت الصحافة مرآة الرأي السياسي والاجتماعي منذ تأسيس الدولة السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله– في 23 سبتمبر 1932م.

لقد أسهمت الصحافة في نمو التعليم في المملكة، ومرت بثلاث مراحل.. مرحلة الأفراد، وهي تلك المرحلة التي كان بإمكان أي فرد أن يقوم بإنشاء صحيفة، ومن أشهر الصحف التي صدرت في تلك المرحلة، على سبيل الذكر لا الحصر، نذكر: صحيفة «صوت الحجاز» عام 1930م، وصحيفة «المدينة المنورة» عام 1936م، وصحيفة «حراء» عام 1956م، وصحيفة «عرفات» عام 1957م، وصحيفة «الندوة» عام 1958م، وصحيفة «الفجر الجديد» عام 1954م، وصحيفة «القصيم» عام 1959م، وصحيفة «عكاظ» عام 1960م، وغيرها من الصحف في تلك الفترة، وأيضا العديد من المجلات الدورية والشهرية.

ثم تبع تلك الفترة مرحلة إدماج الصحف، والتي تشكل دمج المنشآت الصحفية في تكتلات مؤسسية لكي تصبح المخرجات ذات جودة وقيمة معرفية إضافية، ولكي يتم تفعيل استخدام الموارد بطريقة ناجعة تجنب الهدر والخسائر التي منيت به الكثير من تلك الصحف الفردية، فالكثير منها لم يستطع تحقيق دخل يغطي تكاليف إنتاج المحتوى.

اتسمت تلك الفترة بأنها الفترة التي استهلت المراحل التنظيمية لقطاع الصحافة والنشر، وانبثق عنها نشوء عشر مطبوعات جديدة كانت هي النواة التي شكلت قاعدة الإعلام في تلك الفترة، بل وامتدت إلى الفترة التي تلت.

ثم أتت مرحلة المؤسسات الصحفية في عام 1964م، والتي صدر فيها أول نظام للمؤسسات الصحفية الأهلية.. ثم فيما بعد تطور ليصبح نظام المؤسسات الصحفية والذي ما يزال يتم العمل به إلى يومنا الحاضر.

تعد مرحلة المؤسسات الصحفية «مرحلة العصر الذهبي»، حيث إن قطاع الصحافة والنشر الذي نشأ من خلالها لعب أدوارا مهمة في تشكيل الحياة في السعودية، نذكر منها:


  1. التنمية في المملكة مرورا بفترة الطفرة، ووصولا إلى مرحلة ما قبل رؤية 2030.



  2. ترسيخ مبدأ توحيد الرأي والثقافة للهوية السعودية.



  3. مرحلة حرب الخليج، والتصدي للرأي الخارجي.



  4. مرحلة الحرب ضد الإرهاب، ومكافحة تيارات الغلو وأيضا الموجات الدخيلة.



  5. النشر المعرفي بكل صنوفه وأوجهه، وأيضا الإسهام في الحراك الأدبي وأوساطه.



  6. تقديم وعاء لنشوء النشر المؤسسي وتحفيز الكتابة والتأليف.



  7. وأيضا رافدا لـ «التسويق» وأسواق الإعلان، والقاعدة العريضة للقطاع الرياضي.

    وعلى أن قطاع الصحافة والنشر شهد مراحل نهوض وتوسع وتطور ونضوج وأيضا وفرة، إلا أننا دخلنا في السنوات الأخيرة في مرحلة تكاد تفتك بهذا القطاع المهم والحيوي، حيث بدأت أزمة الصحافة عام 2016م، والتي تراجعت فيها مبيعات الصحف بشكل كبير ومتسارع، وصاحب ذلك انخفاض كبير في مداخيل الإعلان فيما توجه القراء للصحافة الالكترونية. واليوم نحن نقف أمام تحديات كبيرة تواجه هذا القطاع، تحديات استراتيجية، وتحديات تقنية ورقمية، وتحديات في التمكين.. ناهيك الحديث عن التحديات التنظيمية.

    وفي مضمار الراديو، الذي تأسس في المملكة عام 1949م، أي بعد ثلاثين عاما من اختراعه في الولايات المتحدة عام 1920م، انطلقت الإذاعة السعودية في عهد مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله–، وعلى مدى السبعين عاما الماضية، كان الراديو أقل الوسائل الإعلامية تأثرا من ناحية المشهد والتغير التقني، حيث ظهرت تقنية أمواج الـ إف إم «FM Frequency» في فترة التسعينيات، والتي أطلقت خدمات الـ (إف إم FM) وتم التصريح لخدمات الراديو الخاصة، فبدأت مرحلة نشوء الراديو كقطاع تجاري، وتطور ليكون لديه مواقع رقمية، ومع استحداث تقنيات جديدة في القرن الحالي، أجبرت الإذاعة بالتحول إلى منصات بث جديدة، كالتطبيقات الرقمية وغيرها. ويعد قطاع الراديو أقل قطاعات الإعلام تأثرا بالرقمية.




أما قطاع التلفزيون فقد شهد تحولات سريعة.. حيث بدأ أول بث للتلفزيون في العالم عام 1935م، وكانت شبكة الـ «بي بي سي BBC» هي أول قناة في العالم، وكانت شبكة الـ «سي بي أس CBS» بالولايات المتحدة هي الرائدة في البث التلفزيوني.

وبعد 30 عاما من اختراع التلفزيون عالميا، تم تأسيس التلفزيون السعودي في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود –رحمه الله–، وكان ذلك نتيجة اتفاقية تعاون بين وزارة الخارجية السعودية، ووزارة الخارجية الأمريكية، وكان الشيخ جميل الحجيلان أول وزير إعلام سعودي، حيث صنع التاريخ هو وزملاؤه الذين قادوا تلك المرحلة في تأسيس المحطات التلفزيونية، وتأسيس المحتوى المحلي المرئي، والذي اشتمل على مواد متنوعة من أخبار وبرامج ومسلسلات، محلية وعالمية. وقامت وزارة الإعلام عام 1962م بابتعاث ما يقارب الـ 60 شخصا إلى الولايات المتحدة، لنقل الخبرات والتدريب. هؤلاء الأشخاص هم الذين شكلوا النواة التي فيما بعد تولت المناصب القيادية في وزارة الإعلام على مدى الـ 30 عاما التي تلت.



كان التلفزيون متنفسا ترفيهيا رئيسا في تلك الفترة، وظهرت برامج مهمة من خلاله، كمسرح التلفزيون الذي قدم فنانين بارزين كالفنان طلال مداح، والفنان محمد عبده، وغيرهما من رواد الفن السعودي.

وكبرنامج «مؤتمر صحفي» للأستاذ عبدالرحمن الشبيلي، الذي كان يربط المشاهد بالقيادة وكبار رجال الدولة ورموز المجتمع، من خلال لقاءات تلفزيونية حصرية ونوعية.

تطور التلفزيون ليصبح ملونا عام 1977م بعد 15 عاما من تأسيسه في السعودية، وكانت فترة السبعينيات والثمانينيات هي العصر الذهبي لإقبال الجمهور على التلفزيون السعودي من ناحية ثراء المحتوى في ظل غياب خيارات ترفيهية أخرى.

واصل التلفزيون السعودي تطوره خلال فترة التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، حيث صاحب الإعلام السعودي ثورة تقنيات البث عبر الأقمار الصناعية، فظهرت على الساحة قنوات سعودية جديدة كقناة (إم بي سي mbc)، وقناة (إي آر تي art)، وقناة الـ (أوربت Orbit) والتي ظهرت في بداية التسعينيات الميلادية، وأحدثت نقلة في المحتوى المقدم، وأسهمت في إثراء الإعلام المحلي والإقليمي.

كانت تلك الفترة هي الفترة الذهبية لإنتاج محتوى الدراما المصرية في العالم العربي، والتي أثمرت عن مسلسلات لازالت في الذاكرة كـمسلسل «رأفت الهجان»، ومسلسل «ليالي الحلمية»، وعلى مستوى البرامج المحلية المنوعة نذكر برامج كبرنامج «بنك المعلومات» للدكتور عمر الخطيب، وبرنامج «أبناؤنا في الخارج» للأستاذ ماجد الشبل وبرنامج «مع الناس» للأستاذ سليمان العيسى.

كان المحتوى مناسبا لذوق المشاهد في تلك الحقبة، ولم يكن هناك أي عجز في جودة المحتوى للذوق العام في مجال الترفيه المرئي.

وفي مطلع التسعينيات، عندما بدأت حرب تحرير الكويت، حدثت في تلك الفترة نقله نوعية في القنوات الإخبارية، حيث ظهرت قناة العربية والجزيرة وغيرهما.

وأصبح المشاهد لديه الفرصة لسماع الأخبار الغربية والاطلاع على كل الأحداث والمستجدات بشكل أسرع وأكثر تنوعا في الطرح، مما أحدث ثورة في المحتوى الإخباري العربي.

أسهم وجود القنوات الفضائية في إحداث نقلة في المحتوى الإعلامي المرئي، ففي المجال الرياضي ظهرت الاستوديوهات التحليلية، والإخراج الإبداعي، وتمت الاستفادة من الخبرات العالمية في إنتاج المحتوى الرياضي.

كما تم إنتاج فورمات برامج ترفيهية عالمية بالعربية، والاستثمار في الإنتاج المحلي كالكوميديا مثل مسلسل (طاش ما طاش) الذي حقق أعلى مشاهدات إقليمية وأعلى دخل في الإعلانات على مدى 18 عاما حتى توقفه عام 2011م.

وبالرغم من أن القنوات الفضائية الرائدة في تلك الفترة كانت باستثمارات سعودية، إلا أن هذه الاستثمارات على مدار 15 عاما لم تسهم في خلق صناعة محتوى درامي سعودي ينافس على المستوى العربي والإقليمي، عدا تجربة مسلسل (طاش ما طاش)، ويعزو ذلك إلى أمرين:

الأول: يتعلق بطبيعة المجتمع في ذلك الوقت، حيث كان المجتمع السعودي يعاني من حالات من الانغلاق في المشهد الثقافي، مما أسهم بشكل سلبي في الحد من تطور المجتمع في النواحي الثقافية كالمسرح والقصة وغيرها من الفنون والآداب المختلفة.

الثاني: ندرة وجود المرأة في القطاع والذي يؤثر في الإنتاج بشكل مباشر، فتم الاضطرار إلى الاستثمار في الدراما الإقليمية لسد الفجوة من خلال المحتوى التجاري المتوفر، وهو ما أدى إلى الاستثمار في الدراما الإقليمية لعقود على حساب المحلية التي لم تكن متواجدة في ذلك الوقت.

وفي مضمار الإنترنت التي آذنت بخطى الرقمية نجد تطوراتها تسابق الزمن، استهلت مرحلة تأسيس الإنترنت في السعودية عام 1997م، ومنذ ذلك الحين بدأت وتيرة سرعة نقل تكنولوجيا الاتصالات في التسارع لتؤثر على حياتنا العامة وفيما بعد على نمط الحياة والمعيشة، حتى أن فترة نقل الثورات التقنية قد تقلصت من 30 سنة إلى أقل من 10 سنين.

في الفترة من عام 1998م إلى 2007م شهد العالم مرحلة تأسيس «الياهو Yahoo»، و«قوقل Google»، و«فيس بوك Facebook»، و«يوتيوب YouTube»، وغيرها من الخدمات التقنية الرقمية التي أسست لمفاهيم الترفيه الرقمي والتواصل الاجتماعي، وظهر في حياتنا الهاتف الجوال، ومنصات «التجارة الالكترونية e-commerce» كـ «سوق–دوت–كوم»، إلى أن ظهر عام 2007م جهاز الآيفون ليحدث ثورة في تجربة المستخدم ومعرفته الرقمية.

وأتذكر في تلك الفترة حوار دار بيني وأحد زملائي في مهنة التسويق، حين حكى لي عن تطورات كان يعدها مثيرة في ذلك الوقت، وكان يعلم بولعي بعالم التقنية وتطورات التكنولوجيا في العالم، وشغفي بمتابعة تأثيرها على الممارسات التجارية والأسواق والمستهلكين، حيث إنه كان يشغل منصبا قياديا في شركة (بروكتر وغامبل العالمية Procter and Gamble) في السعودية، قال لي «قامت إدارة الشركة العليا في المركز الرئيس بالولايات المتحدة باستدعاء جميع التنفيذيين العاملين في جميع الفروع الدولية لـلشركة في العالم للاجتماع عبر مؤتمر تم التخطيط والترتيب له لينعقد في برشلونة عام 2007م، وشارك في ذلك المؤتمر مؤسسي العالم الرقمي الجديد كـ «مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg» وفريق من كبار التنفيذيين في شركته «فيس بوك Facebook»، بالإضافة إلى كبار القياديين في شركة «قوقل Google».

وكان هدف المؤتمر أن يرسل رسالة استراتيجية لجميع التنفيذيين الذين تم استدعاؤهم لحضور المؤتمر في عام 2007م، تلك الرسالة ركزت على التالي:

1- إن العالم خلال العشر سنوات القادمة سيتغير، سيشهد نهاية الصحف التقليدية، وسيشهد بداية انتهاء العصر الذهبي للتلفزيون، وسيحدث تحول مهم، وهو بداية العصر الرقمي الذهبي. كانت بوادر هذه الصورة قد تكونت في الولايات المتحدة آنذاك.

2- طلب من جميع قياديي التسويق أن يقوموا بصرف 1% من ميزانية التسويق في البلدان التي يعملون فيها، والتي تقدر بملايين الدولارات، أن يصرفوها على خطط تسويقية تستهدف استخدام العالم الرقمي آنذاك كقناة من قنوات التسويق، على أن تصل نسبة صرف ميزانية التسويق على القنوات الرقمية في عام 2015م فوق الـ 20% من ميزانية التسويق.

وبالفعل، حدث ما كان متوقعا، حيث إن الفترة من 2010م وما تلاها، شهدت إطلاق التطبيقات الرقمية التي أحدثت ثورة في عالم الترفيه من تواصل اجتماعي –ترفيه مرئي– وفي الخدمات من عمليات «التجارة الالكترونية e-commerce» والتي تركزت على (بيع التجزئة وغيره).

في عام 2015م، وصل عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى ما قارب الـ 20 مليون مستخدم تقريبا، واليوم تعد السعودية ضمن أعلى 10 دول عالميا على صعيد استخدام منصات الترفيه الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي.

ومما ساعد في ذلك، النقلة النوعية للبنية التحتية الرقمية التي أسهمت رؤية المملكة 2030 في زرع بذورها، حيث إننا واصلنا التطور والتطوير إلى أن وصلنا إلى واقع الجيل الخامس.

وأثناء هذا التحول المهم في سرعة التغير في التكنولوجيا، سقط لدينا المحتوى المحلي.. حيث إن المحتوى العالمي دخل كمنافس لمحيطنا وعبر إلى محليتنا.

ثم أتت مرحلة جائحة وباء كورونا، والتي أسهمت في تغيير عادات المستهلك الرقمية، حيث شاهدنا إطلاق المنصات الرقمية المحلية، كمنصة «شاهد ڤي أي بي Shahid VIP»، وأيضا أسهمت في توسع «التجارة الالكترونية e-commerce» بشكل غير مسبوق في تاريخ المستهلك السعودي.

عالميا، يتوقع قياديو استراتيجيات قطاع التجارة الالكترونية في أمريكا أن تتجاوز مبيعات «التجارة الالكترونية e-commerce» في الولايات المتحدة سقف الـ 1 تريليون دولار لأول مرة في عام 2022م.

ويجدر بالذكر أن هذه التوقعات قبل انتشار جائحة وباء كورونا كانت مختلفة، حيث إن المتوقع لوصول التجارة الالكترونية إلى هذا الإنجاز كان مؤجلا حتى عام 2024م.

وفي الإجمال، لجميع أنحاء العالم، قدر الوصول في إجمالي مبيعات التجارة الالكترونية إلى 5 تريليونات دولار في عام 2022م، والنمو في ذلك الإجمالي ليصل إلى مبلغ الـ 6 تريليونات دولار بحلول عام 2024م.

وبالمقارنة، تحتل المملكة العربية السعودية المركز السابع والعشرين من حيث أكبر أسواق التجارة الالكترونية، حيث بلغت إيراداتها 8 مليارات دولار أمريكي في عام 2021م، مما يجعلها متقدمة على بلجيكا، وخلف النرويج وبزيادة قدرها 17%، حيث أسهم سوق التجارة الالكترونية في السعودية في معدل النمو العالمي البالغ 29% في عام 2021م. ويتوقع أن تستمر عائدات «التجارة الالكترونية e-commerce» في الزيادة خلال هذا العام.

وفيما أن الأغلبية بيننا منشغلون بحال الإعلام لدينا اليوم، والفجوات التراكمية التي تجمعت عبر سنين طويلة في شتي قطاعات الإعلام المختلفة، أجد أنني منشغل بالأحداث التي لم تحدث بعد! فكما أن لدينا رؤية المملكة 2030، والتي لها مستهدفات جبارة وتحديات عظيمة ترتكز على إصلاح اليوم وصناعة الغد في آن واحد، هناك تحولات مهمة يتم حث الخطى نحو صناعتها في الأفق على صعيد صانعي الثورات التقنية والتكنولوجية، فالمشهد بدأ يتغير، وها نحن كل يوم نسمع عن الثنائي القادم، نسمع عن «ميتا Meta» والمنافس «أيلون ماسك Elon Musk» واستحواذه الأسطوري على شركة «تويتر Twitter».

العالم الرقمي الجديد لعام 2030، بدأ تمحوره! ما هو شكل ذلك العالم.. وماهي الاختلافات الجذرية فيه.. وهل سيكون مختلفا تماما عما نسعى إلى إحداثه الآن.. وهل نحن جاهزون له.. هل أعددنا العدة له.. هل لدينا الخبرات المعرفية.. وهل مكنا لها ووطناها، وهل لدينا الاستراتيجيات التي ستخط الخطوط العريضة لكي نركض بثبات إلى المستقبل الذي نصبو إليه.. وإلى الاستحقاقات التي رسمتها لنا رؤية المملكة 2030، والقيادة التي تدعم كل ما من شأنه تطورنا ورقينا في شتى المجالات!

مخطئ من يظن القضايا لدينا منحصرة في «تويتر Twitter»، و»فيس بوك Facebook»، أو بقية التطبيقات كـ «سنابشات Snapchat» أو حتى قطاع الصحافة والنشر، والمحتوى الرقمي.. فكل هذه الأمور وغيرها من القطاعات المعطلة خاضعة لتحولات وتغيرات مستمرة.

الذين ظنوا أن فيس بوك هو المؤثر المهيمن فيما مضى لم يأخذوا في الحسبان أن هناك قادمين آخرين، هؤلاء القادمون ضخوا بأكثر من 46 مليار دولار في موقع التواصل «تويتر Twitter»! اليوم الأرقام بدأت تختلف، ولعل «الرسوم البيانية Infographics» الملحقة بهذا المقال تعكس بعض حقائق المشهد.. فـ «فيس بوك Facebook» لم يعد المهيمن على المشهد، و»تويتر Twitter» لن يبقى كما كان عليه.

«أيلون ماسك Elon Musk» لم يقم بشراء شركة تويتر؛ لأنها صفقة مربحة، بل لأن لديه منظومة متكاملة تحتاج إلى الخروج إلى النور، تحتاج إلى قاعدة عريضة تمكن لتكونها ولدمجها عبرها، ولكي يتم إعلان مستقبل قادم، مستقبل مليء بالمنافسة والتغير، منافسة تعتمد على الذكاء الصناعي.. وعلى اختراعات وأدوات متقدمة، ستجعل واقعنا اليوم أشبه ما يكون بمرحلة البيجر في حين أن العالم كان يمهد لثورة رقمية.

في الأسابيع الماضية، شاهدنا جهود وزارة الاتصالات بقيادة معالي الوزير عبدالله السواحه عبر الاجتماعات التي نظمها وسعى إليها لفتح أبواب حوار مع قادة شركة «ميتا Meta» و«سنابشات Snapchat» وغيرهم من صناع القطاعات الرقمية.

شخصيا، لقد سررت بأننا أصبحنا من المبادرين إلى مثل هذه العلاقات التمهيدية، ولكن في نفس الوقت، كنت أتمنى أن أرى الإعلام لدينا حاضرا في نفس الاجتماعات، بل وأن يكون المبادر بتلك الاستراتيجيات التمهيدية، استراتيجيات تصبو إلى خلق قنوات عبر شراكات لنقل المعارف والخبرات، بل ولفتح الأبواب لضخ بعض الاستثمارات في تلك الكيانات والتكتلات، لنصبح جزءا من صناعة المعرفة، ولنضمن أننا أصبحنا جزءا من دائرة المعلومات التي تؤثر في صلب طبيعة أعمالنا، تلك الطبيعة التي تلامس هموم المحتوى وصناعته، وصناعة أهدافه، بل وتتعدى إلى أن تكون الصوت الممثل والداعي الدائم لرؤية المملكة 2030، وفارس نقل وقائعها وأحداثها وتطوراتها، وكل ما يلامس إنسانها، لكي نكون ملمين بكل شأن معرفي يتم العمل والتخطيط له، ولكي نسعى بشكل فاعل في برامج بناء استراتيجيات الإصلاح والتمكين في شتى قطاعات الإعلام المختلفة.

حرصت في هذا المقال، أن نستعرض المشهد الإعلامي السعودي خلال المائة سنة الماضية، في مختلف قطاعات الإعلام، والتطور الذي واكبنا خلال العقود الماضية، لنجيب على السؤال الحتمي:

«في ظل السرعة الفائقة اليوم في نقل التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام.. ماذا بعد.. وما الذي يجب على قطاع الإعلام أن يسارع ويحث الخطى نحوه لكي يلحق بركب رؤية المملكة 2030 ويواكب تحديات المرحلة المقبلة استراتيجيا؟».

وفي محاولة الإجابة، أجد نفسي على أعتاب مفترق طرق، تتسارع فيها خطى ثورة تكنولوجيا الاتصال والإعلام في العالم.. في الماضي، كان هناك فارق زمني كبير في وصول التكنولوجيا إلى المملكة العربية السعودية إلى أن أخذت وتيرة الزمن في التقلص شيئا فشيئا لتصبح المملكة ضمن أفضل الدول في العالم من ناحية البنية الرقمية، ومن ناحية نضوج المستخدم الرقمي، حيث إن العامل الزمني قد تلاشى تقريبا في مختلف قطاعات الأعمال.



فقد استعرضنا المشهد الإعلامي بقطاعاته المختلفة خلال قرن من الزمان كي نستطيع استحضار الواقع والمشهد الحالي، لنخلص إلى استنتاج وهو أنه لابد من توحيد الجهود.. وأن يكون قطاع الإعلام له دور في التواصل مع مصنعي التكنولوجيا الرقمية لإعداد العدة للمستقبل.. لا نريد أن نعيش الماضي الذي علقنا فيه عندما كنا نضطر إلى دفع مبالغ نشترى فيها أرقام هواتفنا، ونبحث عن بدائل لكي نحصل على خطوط خدمات الـ «دي إس إل DSL».. أو أن نغرق في تقنية البيجر بينما العالم يعد العدة لثورة الألياف البصرية، والرقمية.

يؤرقني أن أرى أن معركتنا أصبحت تنحصر في الهرولة لـ «اللحاق» بالركب الذي يعدو سريعا.. وفي صراع التجميل الذي يقوم بتدوير الغياب، لا في القيادة نحو المستقبل ونحو المشاركة في صنعه والتمكين له.

اليوم التحدي لا يكمن فقط في مواكبة رؤية المملكة 2030، بل يحتم علينا أن يكون لدينا إعلام يقودها نحو المستقبل ونحو المشاركة في صنعها والتمكين لها.

---

تنويه:

جميع الأرقام الواردة في هذا المقال تم جمعها من مصادر مختلفة، موقع ستاتيستا التابع لـ " Statista GmbH" وتقارير محرك البحث جوجل التابع لـ “Google LLC”.. الصحيفة، والكاتب لا يدعون دقة المعلومات الواردة، واستخدامها لا يعدو أن يكون استشهاد بقيم تقريبية لأهداف بناء الصورة المعرفية أثناء قراءة المقال. والمقال لا يعكس صورة مستقبلية، أو يؤرخ لواقع أو ماضي.

@AlHarithi_Rajeh