منيف خضير الضوي

اليقظة الاستراتيجية.. رهان المستقبل

الاثنين - 30 مايو 2022

Mon - 30 May 2022

لم يكن حصول الطلبة السعوديين على 6 جوائز عالمية خلال مشاركتهم في معرض ريجينيرون الدولي للعلوم والهندسة «آيسف» 2022، للمرة الـ16 على التوالي ضربة حظ، أو مجرد صدفة؛ فالكل شاهد الدعم الكبير للفريق السعودي من قبل القيادة العليا، ومن قبل المشرفين على الفريق، ودون أدنى شك نقرأ ما بين السطور تلك المراحل التي مر بها الفريق من تخطيط، وتدريب، وتفكير، وتأهيل، وصولا إلى اتخاذ القرار، والحصول على نتائج تنافسية على مستوى العالم.

وهذه التنافسية باتت خيار المنظمات والمؤسسات التعليمية المتطلعة في عالم متحول وسريع الخطى، لا مكان فيه للكيانات التقليدية التي تعمل في ظل غياب نمط إداري واستراتيجي متطور، يحقق نتائج ملموسة، وهذا ما أوجد ما يسمى بـ «اليقظة الاستراتيجية strategic vigilance».

ومصطلح «اليقظة» ارتبط بالمجال العسكري والحربي في بدايات ظهوره، ثم تحول إلى المجال الاقتصادي مع نهاية خمسينيات القرن الماضي ويعد أجلر (Aguilar) من الأوائل الذين درسوا عملية اليقظة في كتابه «The Business Environment Scanning»، بعد ذلك قام الباحث الفرنسي أمبرت لسكا بتطوير مفهوم اليقظة في كتابه «Système D’information Pour Le management Stratégique» في طبعته الأولى سنة 1986م، ومنذ ذلك الوقت استقطب موضوع «اليقظة الاستراتيجية» اهتمام الكثير من الباحثين والاقتصاديين والسياسيين، ثم انتقل المفهوم إلى القطاعات الخدمية الأخرى، ومن أهمها قطاع التربية والتعليم في دول العالم المتحضر.

واليقظة الاستراتيجية أسلوب منظم وفاعل في الإدارة الاستراتيجية أثبت نجاحه في العالم المتطور، وهي تختص بالتسيير الأمثل للمعلومات، وتدفقها بشكل يساعد صناع القرار على التطوير من خلال خطوات منظمة تبدأ بجمع المعلومات من محيط المؤسسة ومعالجتها ثم نشرها واستخدامها، من أجل استغلال الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة، وذلك في طابع استباقي توقعي لمسايرة المتغيرات الخارجية، يضع في ذهنه التخطيطي مبدأ التنافسية.

ونظرا للتحديات الكبيرة التي تواجه وزارة التعليم في بلادنا، فقد بات من الضروري استحداث إدارة تحت مسمى «الإدارة العامة لليقظة الاستراتيجية»، وتكون لها إدارات تابعة في كل إدارة تعليم ومنسق في كل مكتب تعليم ومدرسة، وذلك لرصد وتحليل الواقع بالاعتماد على البيانات والمعلومات الهامة وذلك لتجنب المخاطر المحتملة ولاستشراف المستقبل واتخاذ قرارات استراتيجية من شأنها توفير بيئة عمل عالية الجودة ضمن المعايير العالمية، ولتحقيق ميزة تنافسية للوزارة مع القطاعات المماثلة في العالم، وكل ذلك ينعكس على مستوى الطلبة، ويجعل من تحقيق الجوائز العالمية والنتائج المتقدمة في الاختبارات الدولية مؤشرا صادقا على نجاح هذا التوجه الاستراتيجي الحديث في مجال الإدارة التربوية، وكل ذلك يصب في النهاية في مصلحة الطلبة على مختلف مستوياتهم.

ولكي تنجح إدارة «اليقظة الاستراتيجية»؛ فلا بد من توافر عدة مقومات فكرية ومادية وبشرية، ومن أهمها تبني الإدارة العليا لمفهومها، وتوافر التفكير الاستراتيجي، ووجود نظام يعتمد على المعايير العلمية، ووجود كوادر بشرية مدربة، ولا بد من الدعم المالي المناسب عبر إدارة مالية متخصصة، وتبني نظام حوافز فاعل، ومن المهم وجود نظام اتصالات داخلي بين الأجهزة المختلفة، مهمته تيسير تدفق ونقل المعلومات بين تلك الأجهزة بسهولة ودقة، ووجود نظام أرشفة مؤهل، ونظام يستشرف المستقبل وفق خطة استراتيجية واضحة، تعتمد على التكنولوجيا المتطورة.

ولليقظة الاستراتيجية أنواع متعددة لا تنفصل عن بعضها -في الغالب- من أبرزها اليقظة التكنولوجية، الاقتصادية، التنظيمية، القانونية، التنافسية، البيئية، الوقائية. وترتبط اليقظة الاستراتيجية بالعديد من العلوم الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاقتصادي، والتفكير الناقد، وإدارة المعرفة، والحكومة الالكترونية.

حينما طبقت مؤسسة «موهبة»، بالشراكة مع وزارة التعليم، ملامح اليقظة الاستراتيجية؛ ارتفعت هامة الوطن بأبنائه النجباء.

فماذا لو كانت مثل هذه الإنجازات تتم وفق منهجية عمل معتمدة وواضحة لجميع الطلاب، بعيدا عن الاجتهادات الفردية لجهة أو أفراد معينين؟

أكاد أجزم أن نسب الطلبة المتميزين في مختلف المناطق ستزداد أضعافا مضاعفة في ظل وجود قيادة همها الأول الإنسان السعودي، وهذا هو رهان «اليقظة الاستراتيجية» الدائم.

فمن يعلق الجرس؟