فرحان الذعذاع

معركة (ذات الكراسي)

الجمعة - 29 أبريل 2022

Fri - 29 Apr 2022

بعد أيام سينتهي شهر الإحسان ويبدأ العيد الذي نسأل الله أن يكون سعيدا مليئا بالعز والتمكين للأمتين العربية والإسلامية وستبدأ معه المناسبات والاحتفالات بجميع أشكالها بعد انتهاء جائحة كورونا وعودة الحياة الطبيعية.

قبل كورونا قدر الله أن تجتمع لدي أكثر من مناسبة في آن واحد واضطررت أن تكون هذه المناسبة كبيرة استأجرت لها استراحة تتسع لـ60 شخصا، وقدر الله أن تصادف هذه المناسبة قدوم أحباب لنا هامات وقامات في مجتمعهم ولدى قبائلهم فكانت فرحتنا مضاعفة باتفاق هذه المناسبة مع هذا الحضور الذي أسعدنا.

وبما أن المناسبة مسائية والوضع فيها آمن وأقصد من ناحية الوقت الواسع للتجهيز لاستقبال الضيوف فقد سارت الأمور بأريحية تامة، ألفت انتباه الإخوة إلى أن أجمل دعوة للوجبات (قرى الضيف) هي وجبة الإفطار صباحا التي يقل فيه التبذير وتزداد فيها الأريحية والقرب إلى العفوية بالشكل والمضمون، لكن أحذر من يريد تجربتها برغم جمالها فإني أسميها دعوة (القلق) حيث تقوم بحساب وقتك بالدقائق والبعض قد لا ينام ليلتها وربما يدخل في تخيلات (أكشن) تبدأ من تخيل الاستيقاظ متأخرا وانتهاء ببعض الكوارث التي لا تخطر على بال أعظم (سيناريست)!

نعود لدعوة العشاء المريحة بعد المغرب، حيث بدأنا الحضور للاستراحة وكان كل شي مرتبا وجاهزا، لكن نظام الكراسي بالاستراحة كان على شكل حرف (U) داخل مربع داخل مربع أكبر مما يعني أن صدر المجلس يتسع لما يقارب اثنى عشر شخصا فقط، والبقية تكون بالمربع الأوسع.

فوجئت وأنا صاحب الدعوة بحضور مبكر لمجموعة أشخاص عددهم يقرب من العشرة بعد صلاة المغرب مباشرة! وجلوسهم في صدر المجلس وحسب تفسيري بأن حضورهم المبكر لكي تتم المغادرة مبكرا بعد وجبة العشاء لإكمال أشواط (الضومنة أو الدومنة)، فهمت بطريقة ما أن أحد الأقارب قد دعاهم وهم محل ترحيب وتقدير، كونهم ضيوفا ولم تكن هذه معضلة فقد تكون البركة في زيارتهم، وربما خرجنا بسببهم من حديث (شر الطعام طعام

الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) بحضورهم الذي أسعدنا وإن لم يكن لنا فضل فيه.

حتى صلاة العشاء كان ضيوفنا الرسميين في جولات زيارة لبعض أهل المنطقة فاتصل بي أحد المرافقين للضيوف وأبلغني بأنهم قادمون باتجاه الاستراحة، تلقائيا بحثت عن الداعي لإخواننا الجالسين على كراسي الضيوف ولم أهتد لمن دعاهم أو بعبارتنا الدارجة (يمون عليهم) حتى يبلغهم بتغيير مواقعهم تقديرا لضيوفنا من الخارج (بعيدي الخطوة) لكن لم أجد من يستطيع أن يوصل لهم هذا التنبيه وبما أني صاحب الدعوة لا يمكن أن أطلب من شخص أن يترك (كرسيه) لشخص آخر مهما كانت أولوية الأمر فوقعت بحرج لا أعرف كيف أتصرف معه، حتى أبلغني أحد الأقارب بدخول وقت صلاة العشاء وأنهم سيؤدونها جماعة بصالة الطعام!

فقفزت إلى ذهني فكرة وطلبت من هذا القريب أن يقيم الصلاة، ويحث كل الحاضرين وخصوصا الجالسين في صدر المجلس أن يؤدوا الصلاة جماعة، وهمست في أذنه أن أطل القراءة، لم أصل مع الجماعة انتظارا للضيوف، وماهو إلا وقت قصير حتى حضر الضيوف واستقبلناهم وأجلسناهم في أماكنهم المناسبة وبحمد الله أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام!

هذا الحرج الذي يتعرض له صاحب الدعوة بسبب مواقع الضيوف حرج بالغ ويكاد يكون متكررا في كل مناسبة، وينبغي على كل زائر لحفل أو مناسبة عامة أن يجلس في المكان الذي يرغبه المضيف دون توجيه وليس المكان الذي يرغبه هو بذاته.

ولو طبقنا حديث النبي (كنا إذا أتينا النبي صلى اللّه عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) لخرجنا من هذا الحرج ولتوزعت المنصة في عدة أماكن من القاعة ولصعوبة هذا الأمر حسب ظني فأعتقد أن حضور الضيوف الرسميين مبكرا إلى القاعة يدفع شيئا من هذا الحرج عن المضيف.

هذا الصراع على المنصة والفلاشات التي تكثر حولها جعل البعض يبتكر بعض الحيل للخروج من هذا الحرج؛ فالبعض يتعمد إجلاس أقاربه في كراس معينة تحجز للضيوف وقد يباغتهم من يحضر مبكرا من الضيوف الثانويين، مما يجبرهم على تغيير الخطة (والتكتيك) وآخرون يتعمدون إخفاء كراس في (دكة الاحتياط) وجعل مسافات بين كراسي المنصة حتى يتم استدعاء الاحتياط عند الحاجة والظروف القاهرة!

أما ثقافة (محجوز) وهي البطاقة التي تكتب على الكراسي في الاحتفالات الرسمية فلا أعتقد أنها تؤتي ثمارها في مناسباتنا إلا لعدد محدود وقد ينعكس عنها نظرة سلبية تجاه صاحب الحفل (الطبقي).

كان البشت (المشلح) دلالة ورمزية على قامة قبلية ومكانة أسرية واجتماعية ولا يلبسه إلا القلة فكان هذا البشت يعالج جزئيا هذا الإحراج بالتعريف فلابسه لا يترك من الحاضرين إلا أن يوضع في المكان المناسب له ولو لم يعرفوه.

أما اليوم فمقدم الحفل يلبس البشت والشاعر والمعازيب وصاحب المال ومدير الشركة وشيخ القبيلة وكبير السن فلذلك ضاعت هذه الدلالة التي كانت تعين الموجودين على ضبط المواقع، ما نشاهده ويشاهده الجميع هذا السباق المحموم لحجز الكراسي بالمناسبات العامة ومما زاد بهذا الحماس المحموم هو التصوير والفلاشات التي تركز على المنصة الرئيسة وما حولها.

أعان الله صاحب كل مناسبة على إدارة معركة (ذات الكراسي).

يروى عن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه أنه قال «لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق».

والله من وراء القصد.

_shaas_@