شاهر النهاري

عصر الدراما شبه الوثائقية

الاثنين - 18 أبريل 2022

Mon - 18 Apr 2022

دخل عالمنا العربي موضة جديدة من المسلسلات الدرامية، الموجهة بسرد تاريخي حكومي شبه وثائقي، والتي تحكي عن فترات قريبة، عاشتها الشعوب العربية الحالية، ومن هنا يحدث اللغط والمفارقات النقدية حولها، فلا الجميع يمتلكون نفس الذاكرة، ولا المصادر، ولا الميول متوافقة عند الجميع، ولذلك يتم نقدها بشدة من قبل الكارهين لها، واتهامها بأنها تسعى لتغيير حقائق التاريخ، إما بالسلب أو الإيجاب والمؤدية إلى نتائج مختلفة يراد توطينها.

ولعل المتعة الدرامية في تلك الأعمال بالعودة لصور الماضي القريب تصاب بالتشويه، كون جزء من المتابعين، يحولون كراسي المشاهدة والمتعة، إلى مراصد مراقبة، وتصيد الأخطاء والمبالغات.

مسلسل العاصوف، حكى لنا عن فترة الأربعة عقود الماضية في السعودية، ولعل القائمين عليه قد أحسنوا بعدم إظهار الشخصيات السياسية البارزة، ما جعل الأحداث فيه غير ملزمة.

بينما ضاقت الظروف على مسلسل الاختيار المصري، بتناول فترة أقرب، واستخدام شخصيات سياسية بارزة ما يزال أغلبها يعيش بيننا، مما يستثير الذاكرة الشعبية، ويزيد اللغط، نزولا عند مشاعر من يتابع وهو يحاول إصدار الأحكام، فالحقائق التي يريد المسلسل إبرازها، ومهما التزم كتاب السيناريو فيها بالوثائق الحكومية، أو بشهادات بعض الأحياء، تبقى تحتمل بعض الشك بمحتواها، وتظل قابلة للنقد والنقض.

عمل غاية في الصعوبة، فكاتبه موجه لا يملك الإبداع الحر، وكذلك المخرج والممثلون، الذين يجدون أنفسهم يقلدون ويستنسخون، ضمن شروط وقيود حساسة، وفي عمل ضخم مدعوم حكوميا، وبمصداقية ضاع دمها بين الدراما والعمل التسجيلي.

الأعمال الدرامية التاريخية للأزمنة القديمة قد يصيبها بعض التزويق أو التشويه، ولكن ردود الفعل عليها تكون بشكل محدود، وغالبا أكاديمي، كون شخوصها قد رحلوا منذ فترات طويلة، بأثرهم وتأثيرهم.

بينما تشعل الأعمال شبه الدرامية الأنية النقد المجتمعي في المنازل والشوارع، وعلى مواقع التواصل، وربما يكتب البعض فيها مقالات ودراسات وشهادات على العصر، وربما ينتجون المقاطع والأفلام المؤيدة أو المعارضة لمحتواها، وقد يتجه البعض للقضاء، لإثبات وقوع إساءات نالتهم بشكل شخصي، أو لحدوث تنزيه وتقديس لأشخاص لم يكونوا مستحقين لذلك واقعا.

استخدام سير الشخصيات السياسية في الأعمال الفنية سلاح ذو حدين، فإما أن ترفع قيمة الوطن والعمل وقيمة من ذكروا فيه، وإما أن تصبح مكب أزمات فكرية شعبية، وفكاهة يتندر بها من يعارضون محتواها، بجدل وعصبية وعنصرية تناصر فريقا ضد آخر، خصوصا ونحن نعيش عصر التكنولوجيا، والإنترنت الغنية بآلاف المقاطع التوثيقية المسموعة والمرئية، ما يفضح الأخطاء، ويصعب التعمية على بعض الحقائق، مهما برع العمل في توظيف وتحوير التوثيقات والتسريبات، التي ستستعاد كاملة، ولو بعد حين، لتفضح نوايا من تعمد تغيير الواقع.

والكارثة الأخطر ستحدث حينما يتمكن أصحاب رؤوس الأموال من دخول لعبة شبه الدراما هذه، واستئجار الفرق الفنية لإنتاج أفلام ومسلسلات درامية، تمجد سيرهم الخاصة وحسب رؤيتهم، أو بالإساءة لمن يقفون ضدهم، في عمليات مسخ وتزوير مريع للتاريخ القديم والقريب.

وتلك خطورة ثقافية وتاريخية ومرجعية متوقعة، بأن تنتزع الثقة الشعبية من أي عمل درامي موجه، وأن تتربى الأجيال على عدم تصديق مجريات التاريخ القديم والحالي، وطغيان فوضى موجات اللعب بالتاريخ، واستحالة بناء المستقبل على هشاشة عظام قواعد التوثيق التاريخي الأمين.

shaheralnahari@