صهيب الصالح

الظرفية تنتخب رئيسا لفرنسا

السبت - 16 أبريل 2022

Sat - 16 Apr 2022

انشغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحفاظ على وجود خط اتصال دوري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا وأثنائها على حساب تأخر انطلاق حملته الانتخابية، محاولا تقديم نفسه على أنه زعيم في زمن الحرب لطمأنة قلق 90% من الناخبين الفرنسيين من الأزمة الأوكرانية، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد إيبسوس ومكتب سوبرا-ستيريا، وكان ماكرون قد واجه 11 منافسا في الدورة الأولى، أبرزهم منافسته السابقة في 2017 عن حزب التجمع الوطني «اليميني المتطرف» مارين لوبان، والتي انتقلت معه إلى الدورة الثانية المقررة في 24 أبريل، وكان معظم المرشحين في الدورة الأولى مهتمين إما بالاستقلال الفرنسي عن الاتحاد الأوروبي ومحاربة الرأسمالية، أو بقضايا بيئية وريفية داخلية، وقد وجد اليسار الفرنسي نفسه خارج دائرة المنافسة للمرة الثانية على التوالي، وهذا ما لم يحدث منذ عام 1958م.

وتأتي الانتخابات الفرنسية في وقت تشهد فيه أوروبا اختبارا حقيقيا لحالة اتحادها وحاجة ماسة لتعزيزه في استمرار ماكرون، إذ يراهن بوتين على الانقسام الغربي وارتفاع حدية الاستقطاب الحزبي والأيديولوجي، في الوقت الذي يتنامى فيه الحلف الأنجلوسكسوني الجديد، وبالفعل وجه رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافتسكي وزعيم الحزب الحاكم في وارسو، انتقادا لاذعا لماكرون بسبب اتصالاته المتكررة مع بوتين، متهما إياه بالتسويف، لكن ماكرون رأى ذلك تدخلا في العملية الانتخابية الفرنسية بغرض دعم منافسته لوبان، وما بين موجات صعود اليمين وتراجع جاذبية اليسار دأب ماكرون على اعتبار نفسه وسطيا يحاول تهدئة الاستقطاب بواقعية مثالية، مع أن سياساته الاقتصادية والأمنية كانت تميل قليلا إلى ناحية اليمين، رغم ذلك لم يستطع كسب ود كلا الجناحين طوال فترته الرئاسية، لا سيما بعدما اشتعلت احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا، إذ كان من السهل الجزم بخسارته الانتخابات هذه المرة لصالح اليمين المتطرف؛ لكن قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وفي الحقيقة لن يُحدث الموقف الفرنسي شرخا كبيرا في الأزمة الأوكرانية طالما استمر الحلف الأنجلوسكسوني في قيادة ردع روسيا من ناحية، وطالما لن تعترف روسيا أيضا باتفاقات مينسك ذات الرعاية الفرنسية من الناحية الأخرى، لكن المهم هو الاستحقاقات الفرنسية ذات العمل والتنسيق المشترك مع دول الشرق الأوسط، ففي القضية السورية مثلا ستكون لوبان -في حال فوزها- داعمة لبشار الأسد لا محالة، مما يحفز على السؤال عن مستقبل الدور الفرنسي في الملف اللبناني، خاصة وأن الشهر المقبل يحمل معه موعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية، بعد يومين فقط من تولي الرئيس الفرنسي الجديد منصبه رسميا، لذلك من الواضح أن الانتخابات اللبنانية لن تتحرك فيها خطوط هيمنة حزب الله الإرهابي كثيرا، لكن يبقى الرهان في دعم الدبلوماسية الفرنسية للثقة الإقليمية في المنطوق السياسي لسمير جعجع، أو على الأقل في تمكين إرادة فؤاد السنيورة وفؤاد مخزومي، وهذا ما لن تسعى لوبان إلى تحقيقه بالتأكيد.

لذلك قد يتفق الكثير من المراقبين على أن الانتخابات الفرنسية هذه المرة ستحتل مكانا من الأهمية أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى الظرفية المحيطة بها، والتي من شأنها أن تدفع بالناخب الفرنسي إلى المحافظة على الوضع الراهن بعد تخلصهم من حقبة الحزبين التقليديين الجمهوري والاشتراكي؛ تجنبا لأي توترات ومنافسات محتملة قد تطرأ في حال تغير هذا الوضع، ليس في فرنسا فقط؛ بل وفي أوروبا أيضا والشرق الأوسط بدرجة أقل، خاصة وأن الفارق بين المتنافسين ضئيل جدا بالنسبة إلى احتياطي الأصوات الذي سيحدث الفرق في الدورة الثانية.

@9oba_91