فهد عبدالله

إدارة الكوارث والأزمات

الاثنين - 11 أبريل 2022

Mon - 11 Apr 2022

عندما يتم تناول الجوانب الإدارية وارتباطها بالأزمات والكوارث يستطيع الملاحظ بتلك البساطة في النظر أن يميز التصنيف الإداري من خلال ثلاث مسحات إدارية، الأولى تكمن في تجاهل الأزمات وكأنها تصطف جنبا إلى جنب مع الأعمال الروتينية وكأنه لم يحدث شيء مختلف يستدعي تغير النمط الإداري، والثانية التفاعل الآني مع الأزمة أو الكارثة بردود الفعل التي تصنع في حينها أو الثالثة التي يتم فيها رصد كل تلك التنبؤات والسيناريوهات ووضع كل الخطط في منع حدوثها أو تخفيف أثرها في حال الوقوع.

وبالتأكيد بمجرد رصف هذه الأنماط الثلاثة الإدارية سيتكون لدى القارئ حجم الأهمية في ذلك الأسلوب الإداري الذي يضع عينا على الحاضر والتقدم فيه والعين الأخرى في ثنايا الماضي والمستقبل ما بين استخلاص العبر والدروس ورصد التنبؤات والحلول المسبقة الدفع.

والمنهج القرآني أظهر لنا حكمة نبي الله يوسف عليه السلام كأعظم الدروس الإدارية في إدارة الأزمات (Crisis Management) من حيث المسارات الثلاثة: الجاهزية أو الاستعداد (Readiness) والتفاعل مع الأزمة أثناء حدوثها (Response) وكذلك مسار التعافي من الأزمة (Recover) وإرجاع الأمور كما كانت عليه (Business as Usual)، وابتدأت القصة العظيمة بالاستشراف للمستقبل أو بما يعرف بمنهجية التنبؤات للأزمات (Crisis Predictions) في قوله تعالى (يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات) فكان تفسير تلك الرؤيا هي مؤشر التنبؤ (Prediction Indicator) الذي من خلاله عرف نبي الله يوسف عليه السلام بأن هناك خطرا عظيما (Critical Risk) قادما على مصر في المستقبل القريب ولابد من تحليل دقيق لهذا الخطر (Impact Analysis) حتى تكون خطة التفاعل والتعافي تحقق الدرجة المطلوبة لتخفيف هذا الخطر الداهم (Risk Mitigation)، ومن بعد ذلك كان الاستعداد للأزمة ببناء مخازن الحبوب وتحديد الكميات المطلوبة للتخزين والتي سوف تستخدم في السنوات العجاف وعند الدخول في مرحلة التفاعل مع الأزمة والتعافي منها كانت المسطرة الإدارية واضحة لدى قائد الحدث (Incident Commander) في كيفية توزيع الحبوب وأن هناك نصيبا محددا سيكفي أهل مصر ومن جاورها وبعد هذه المرحلة كانت مرحلة استعادة الأنشطة كما كانت قبل حدوث الأزمة.

عشرات الملامح يمكن استخراجها من هذه القصة العظيمة ويمكن لها أن تعمل بامتياز في نماذج العمل التي تتعلق بإدارة الأزمات، منها وجود مراكز مهيأة تجمع بين تحليل البيانات والمعلومات والتراكم العلمي والعملي فيما يتعلق بالاستشراف للمستقبل وإمكانية معرفة تنبؤات الأزمات التي قد تحدث، والحقيقة تقنيات وأدوات استشراف المستقبل أصبحت حجر زاوية لنجاح الدول والكيانات والمؤسسات والشركات بل حتى الأفراد وليس ذلك فقط في شان الترقب لملامح الأزمات التي قد نلمحها من بعيد بل حتى على صعيد الاستراتيجيات العليا لتحديد الفرص والتهديدات والاختيارات المناسبة التي تعظم النجاحات أو تقلل الخسائر.

والملمح الثاني هو المرونة والمتانة أو الصلابة (Resilience) كيف يمكن لك أن تضع عشرات السيناريوهات بناء على الأخطار التي تم استقراؤها وكيف يمكن وضع خطط استجابة لها تمنع حدوثها أو تقلل من سطوتها وحدتها إذا حدثت، والرجوع في أقصر وقت ممكن لتلك الأوضاع القديمة المستقرة، أو بعبارة أخرى كيف يمكن لذلك الكيان أو المؤسسة تعبر ذلك الحيز الزمني بأقل الخسائر الممكنة.

الملمح الأخير لهذه القصة العظيمة، أحد أكبر مقومات القيادة هي تلك المنهجية في طريقة النظر التي ذكرناها في بداية المقال، عين على الحاضر والانشغال في تجويد تفاصيله والعين الأخرى في ثنايا الماضي والمستقبل ما بين استخلاص العبر والدروس ورصد التنبؤات والحلول المسبقة الدفع، والقائد الذي لا يرى إلا ما كان قريب من مساحات القدم سيصطدم يوما ما بجدار.

@fahdabdullahz