محمد علي الحسيني

الأمن الفكري في رؤية 2030

الثلاثاء - 08 فبراير 2022

Tue - 08 Feb 2022

إن الأمن بمختلف أنواعه ضرورة ملحة للأفراد والمجتمعات في العالمين العربي والإسلامي، وإن انعدام أي نوع منه يحدث خللا في حياة الأفراد والمجتمعات، خصوصا الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي، وإن انعدام أحدهما يٶثر سلبا على الآخر، لكننا نجد من المهم الإشارة إلى نوع آخر من الأمن أصبحت الحاجة ماسة إليه، خاصة بعد الثورة المعلوماتية وتطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي وفي ظل التطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة في العالم.

ذلك أننا إذا ما تناولنا کلمة الأمن کمفهوم مجرد فإنه «عبارة عن مجموعة من التدابير والقوانين يتخذها الإنسان من أجل تحقيق الحماية لنفسه ولماله ولممتلكاته ولعرضه، أو أي شيء ثمين أو ذي قيمة لديه»، وبطبيعة الحال فإن ورود کلمة «الحماية» في تعريف الأمن، يعني أنه لا بد من مرتكز آخر يستند عليه هذا الأمن من أجل تحقيقه کما هو وارد في التعريف، فهذه «الحماية»، تتطلب بالضرورة الأمن القومي أو الأمن السياسي، أو الأمن الاجتماعي، أو الأمن الاقتصادي والغذائي، أو الأمن البيئي وغيرها، وإن کل أنواع الأمن لا بد أن يكون هناك طابع وسمة خاصة تجمع بينها، وهو الطابع الفكري أي الأمن الفكري الذي يمنح ويضيف المزيد من القوة والتماسك والرسوخ للأنواع الأخرى من الأمن.

الأمن الفكري مفهوم مرتبط بالعولمة الحديث عن مفهوم (الأمن الفكري)، والذي يبدو لدى البعض مصطلحا جديدا أو غريبا، فإنه في الواقع وليد العولمة التي ظهرت مع مطلع التسعينات، كما جاء ذكره في قاموس «أكسفورد» للمرة الأولى سنة 1991، وارتباط مفهوم الأمن الفكري بالعولمة كان منطقيا وضروريا، لكون العولمة بالأساس جاءت لتكرس ثقافة نمطية معينة على شعوب العالم وكافة المجتمعات دون استثناء، هذه الثقافة التي تتسم بملامح وتحمل جينات غربية صرفة، جاءت لخدمة مصالحها وفلسفتها المادية في الحياة، وقد كرست لذلك ترسانة إعلامية متطورة وخطيرة للسيطرة على العقول والتحكم في الرغبات وتكييفها وفق نموذج مدروس يكرس الهيمنة والاستسلام لقوتها وجبروتها، ومن هنا، کان لا بد من أمن فكري يمكنه من الوقوف بوجه هذا المد والجبروت الثقافي غير العادي الذي صار يغزو أفكار وعقول أجيالنا الشابة قبل غيرها.

الأمن الفكري أولوية في رؤية 2030 إن رٶية 2030، تظهر اهتماما مميزا وعميقا بالأمن الفكري، وذلك من خلال ماجاء فيها «ونحن نثق ونعرف أن الله سبحانه حبانا وطنا مبارکا هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أکثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول»، وهذا الكلام أکثر من واضح في مدلولاته، ذلك أنه يعتبر الرابط الفكري والثقافي بين الشعب السعودي والشعوب العربية والإسلامية والذي يقوم على أساس من الدين الإسلامي، هو العامل الأهم الذي وضعت على أساس منها مختلف مرتكزات رٶية عام 2030، ولذلك فإنها تعتبره رکيزة معظم رکائز الرٶية.

إن المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها أثبتت أنها تمتلك الأهلية الكاملة وبجدارة للإشراف على الحرمين الشريفين وحمايتهما واستقبال حجاج بيت الله الحرام وضيافتهم بأفضل وأنسب الطرق، مثلما أنها قد أثبتت إلى جانب ذلك حرصها الشديد وغيرتها التي لا تضاهى في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، ومن دون شك فإن الأمير محمد بن سلمان والذي هو حفيد الملك عبدالعزيز آل سعود، سوف يستمر على هذا النهج المبارك وإن ما قد عقد العزم عليه من أجل تشييده والتأسيس له في رٶية 2030، سوف يضع العامل الفكري على رأس أولوياته، بل وحتى إنه القلب النابض للرٶية وروحها.

التجديد في المناهج خدمة للأمن الفكري في رؤية 2030 على سبيل المثال لا الحصر، لقد شرع الأمير محمد بن سلمان في حملة تحديثية على مر الأعوام الخمسة المنصرمة، قد شهدت فيما شهدت، تجديدا في مناهج التربية والتعليم يقوم على أساس الأصالة والمعاصرة، التأصيل والتجديد، وذلك انطلاقا من المبدأ الأساسي بكون الإسلام صالحا ومناسبا لکل العصور، وهذا يعني أن ترسيخ وتقوية الأمن الفكري في المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمعات العربية والإسلامية يجب أن تكون له أهمية خاصة، لأنه الكفيل ببناء وتوجيه الإنسان من حيث ماهيته الفكرية والثقافية.

sayidelhusseini@