أحمد الهلالي

قرار سكنانا في أجنحة المتعبين الفندقية!

الثلاثاء - 04 يناير 2022

Tue - 04 Jan 2022

خرجت من البنك، أهيم على وجهي في الشوارع، تحطمت آمالي على صخرة الخيارات التي عرضوها لامتلاك منزل العمر، كلها ليست لي، لا أستطيع المغامرة بأسرتي، لا أستطيع أن ألقي بهم بين فكي وحش الجوع والعوز لمدة 25 عاما كي أمتلك علبة إسمنتية ضيقة، ربما يرث أبنائي دينها، سأنتظر لربما ابتكر المسؤولون حلولا أخف من جلاميد الدين الثقيلة التي لا أحمال أخف منها.

بالكاد نعيش بمرتب 9000 ريال، قسط السيارة والإيجار والماء والاتصالات ومطعمنا ومشربنا وفسحتنا وضيوفنا ومتطلبات الأطفال، كيف سأضيف إليها نصف المرتب قسطا، وأنا لا أدري ماذا يحمل الغد، حتى مغامرتي بامتلاك المنزل مرهونة، فكأنني أدفع إيجارا مضاعفا، ربما لو عجزت عن الوفاء لاستعادوا العين (المرهونة) التي لا تزال باسمهم أصلا!

كل الأفكار المجنونة تتطاحن في جمجمتي الضيقة، لم أعد أستطع التفكير، أشعر برغبة أكيدة للهروب من واقعي، أبحث عن مجالس لا أسمع فيها حديثا عن المنازل والبنوك والإسكان والتطوير العقاري، مجالس لا يرمي روادها جلاميد همومهم على بعضهم، أبحث عن هاربين مثلي، كأولئك الذين احترفوا (البلوت) هاربين من أزماتهم، يسفكون دماء الوقت عنوة، ليحافظوا على دمائهم باردة!

بالصدفة مررت بأحد الشوارع، شاهدت عمارة أنيقة (أجنحة المتعبين الفندقية)، استهواني الاسم، ربما لامس التعب العميق في روحي، لا سيارات تزدحم أمامها، سلمت على موظف الاستقبال، وطلبت جناحا بثلاث غرف، فابتسم وقال: تعال معي، فرأيت جناحا مرتبا بأثاث جديد، يكفي أسرتي (بالراحة)، سألته عن السعر:

فقال 200 لليلة الواحدة. قلت: أريده بالشهر، فقال: الليلة بـ 150، قلت أريده: بـ 100 ريال وربما أستمر فيه سنينا طويلة، وأريد عقدا بيني وبينكم، فاتصل بالمالك، ووافق على عرضي، فكتبت عقد السنة الأولى القابل للتجديد بثلاثة آلاف ريال شهريا، مع التزامهم بتقديم كافة الخدمات كما يقدمونها للساكن اليومي.

صعدت إلى الجناح، وتمددت على السرير، ثم اتصلت على زوجتي، وطلبت أن تأخذ سيارة أجرة وتأتيني هي والأطفال، فجلسنا معا في الجناح، قلت لها لقد استأجرنا هذا الجناح، وسنترك منزلنا، فاجأها الأمر، وقالت:

أنت مجنون حتما! تخرج من إيجار إلى إيجار؟ قلت: ندفع هناك 22 ألفا، وندفع كهرباء 1000 ريال شهريا، والألياف 300، والماء 200 ومتطلبات النظافة 500 ريال، وقطة نظافة المدخل والدرج 100 ريال، ونحمل الغاز والماء وسلة النفايات، ونحمل هم كل شيء حتى اللمبة المحروقة، بينما هنا نحن آمنون ومخدومون، لسنا مسؤولين عن شيء، وبسعر أقل، حتى هذا الجناح أوسع من شقتنا التعيسة!

ضحكت وقالت: أنت تمزح! أو أصابك الجنون! لو جاءنا ضيوف ماذا نفعل؟ قلت: إن جاءك نسوة فالصالة تكفيكن، وإن جاء رجال سأستأجر غرفة لليلة واحدة، أو استراحة، فالناس لا يحبون البيوت، يلتقون في المقاهي أو في الديوانيات أو في المطاعم أو في البر، كم من مجلس تلف أثاثه لم يجلس عليه ضيف بالسنوات، ثم إني لست أميرا ولا شيخ قبيلة يا جميلة!

أطرقت قليلا، وكأنها اقتنعت، ثم قالت: أثاثنا ماذا نفعل به؟ قلت: سنأخذ ما نحتاجه، ونتصدق بالباقي أو نعرضه في موقع الأثاث المستعمل، المهم أنني لن أسلم رقبتي (النحيلة) للبنوك، ولن أحمل هم الحديث إلى صاحب العمارة كلما احترقت لمبة أو تعطل صنبور!

قالت: وجاراتي؟ قلت: سيأتينك، وربما سيقنعن أزواجهن ويفعلون كما فعلنا، ثم إن تجربة التعرف على الجيران العابرين المتغيرين أفضل، سيصبح لك معارف في كل المدن والقارات، وهذا سيساعدنا في رحلاتنا السياحية، هيا ابتسمي وصادقي على القرار الذكي!

@ahmad_helali