ياسر عمر سندي

ثلاثية تأسيس الشخصية

الأربعاء - 17 نوفمبر 2021

Wed - 17 Nov 2021

من الأقوال المأثورة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «علموا أبناءكم الرماية والسباحة وركوب الخيل»، وهي مقولة تحفيزية من مصدرنا التشريعي الثالث من توجيهات الصحابة - رضوان الله عليهم - بعد الكتاب والسنة.

هذه الثلاثية تشكل الإثراء المعرفي والضبط النفسي والتطبيق العملي لصقل شخصية الذكور والإناث في مقتبل المرحلة الاستعدادية، أي بدايات الفهم والإدراك المعنوي والحسي والذي يتكون من عمر 7 سنوات وهو انطلاق التكليف الواقعي للواجبات الشرعية كأداء الصلوات الخمس وصيام رمضان.

من وجهة نظري النفسية والمعرفية أرى أن النموذج التربوي ثلاثي الأبعاد «الرماية والسباحة وركوب الخيل» يعمل على تحديد الهدف المستقبلي ودعم الاستقرار النفسي وتنمية الاعتزاز الشخصي.

من خلال هذا الأثر فإن الغاية أعمق من ذلك بكثير فتعليم النشء الرماية يساعد على تعويدهم على الانضباط وقوة التحكم وصياغة الأهداف المستقبلية باقتدار وتهيئة الأجساد على ما تعتاد بطريقة التكرار والاستمرار إلى أن ينتقل السلوك من حيز الأسلوب الدخيل إلى الرسوخ الأصيل.

أولا: الرماية هي التصويب بإتقان نحو الهدف المراد إحرازه ميدانيا؛ وقديما كانت مهارة الرماية يكتسبها الأبناء عمليا منذ نعومة أظفارهم وتجهيزهم عسكريا لرفع الحماسة وتأهيلهم استعدادا للدفاع عن الأنفس والممتلكات.

ثانيا: السباحة والجميع يعلم ما لها من فوائد جسدية ونفسية عظيمة من خلال تحريك العضلات الرباعية للأيدي والأرجل بالإضافة إلى التفاعلات التي تحدثها كيمياء الماء في الجسد بصفة عامة من تفريغ للضغوط العضلية المتشنجة جراء الإنهاك والتعب المتوالي والعمل المستمر لتحسن الحالة المزاجية، حيث ثبت علميا أن السباحة علاج نفسي ناجع للتخلص من المشاكل والاضطرابات والاحتقانات النفسية التي تحدث للفرد في حياته اليومية والتراكمات المزمنة.

وبحسب دراسة نشرتها بجريدة ذا إندبندنت The independent أجرتها مؤسسة الصحة النفسية البريطانية عام 2018 على مجموعة من السكان ذكرت أن الأمراض النفسية مثل «القلق والاكتئاب» انخفضت نسبتها كثيرا وبمعدل ملحوظ؛ وأفادت الدراسة بأن حوالي 1.4 مليون شخص أصبحوا أكثر تكيفا وإقبالا على الحياة عندما انتظموا على ممارسة رياضة السباحة مما قلل عدد الزيارات لعيادات الأمراض النفسية، وكذلك انخفضت مستويات تعاطي الأدوية المهدئة.

ثالثا: ركوب الخيل هي أيضا من الممارسات القديمة والعادات التي اتخذها الإنسان إما للتنقل أو الحروب أو الاقتناء والتباهي والخيل كما هو معلوم معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة كما أخبر بذلك نبي الأمة -عليه الصلاة والسلام- في حديثه الشريف وأول عتبات هذا الخير هو الاعتزاز والفخر لما تجلبه الخيل على صاحبها والتي تنعكس عليه جراء ملازمته ركوب خيله والتعامل مع هذا المخلوق الجميل؛ حيث وصف عليه الصلاة والسلام أيضا أمته بالغرّ المُحجّلين أي المؤمنين أصحاب الوجوه النيرة والغرّ المحجلين هي الخيول الأصيلة التي تعلو جبهتها بياضا وعلى يديها ورجليها بياض، حيث اقترن هذا الوصف بحال المؤمنين من كثرة سجودهم ووضوئهم وبما قدمت أيديهم وخطت أقدامهم من خير.

الانتظام على ركوب الخيل ينمي الخيال الإبداعي ويزيد من العمليات العقلية العليا كالفهم والإدراك والتحليل والتصور بحسب الدراسة المنشورة التي أجرتها «جمعية الخيول البريطانية» على 1200 من هواة ركوب الخيل أفادت نتائجها بأن 80% منهم زادت لديهم القدرة على التركيز والاستقرار النفسي عاطفيا وكذلك تفكيريا على المستوى العلمي والعملي والاجتماعي وجعلهم يشعرون بالكثير من الراحة والاطمئنان وزيادة الثقة والأمان.

هذه الثلاثية هي في الأصل تربية نموذجية وتقوية للشخصية فإذا استقامت النفسية تحصنت وتحددت أهدافها واستنار بالتالي دربها إلى أن تلقى ربها.

@Yos123Omar