محمد الأحمدي

سنة التميز لتأهيل المعلمين

الثلاثاء - 16 نوفمبر 2021

Tue - 16 Nov 2021

توقفت برامج بكالوريوس إعداد المعلمين في كليات التربية منذ عام 1440هـ بقرار من وزير التعليم بغية تحويلها لبرامج الدراسات العليا. وهذه استراتيجية تتبعها بعض الدول المتقدمة في إعداد وتأهيل المعلمين.

وأجد بناء على تتبع مراحل تطور التعليم في المملكة أن الوزارة تستبق الكليات في إحداث التطوير، لأنها في فترة سابقة كانت صانعة السياسة لكليات التربية قبل انتقالها إلى الجامعات، وربما ما زال فكر الكليات والوزارة يسير في ذات الاتجاه.

ويبدو أن الوزارة تتبع استراتيجية ثلاثية في التطوير، تتمثل في مرحلة الابتكار التعليمي Novelty، بإنتاج برامج أو مشاريع جديدة للميدان، إلى أن تحقق الاكتمال Maturity فيها، ثم تتحول إلى مرحلة الضبط والمعيارية Standardised لهذه البرامج، وهذا الذي أدى إلى إيقاف برامج البكالوريوس في كليات التربية.

لكن في الحقيقة منذ ذلك الحين وكليات التربية تعيش في أزمة، لا أريد أن أقول بأنها تنوح على ماضيها؛ بل آمل أنها تعمل على بناء برامج نوعية من أجل مستقبل مهنة التعليم. ولعلي أناقش كيفية صناعة برامج تأهيل المعلمين برؤية تتفق مع متطلبات المستقبل، وكيف تكون الكليات قاعدة مرنة في تطوير برامجها لتحقق غايات سياسة التعليم، وترتبط بواقع الميدان، وتحدث التغيير المرغوب فيه للحركة التعليمية، بالإضافة إلى تغيير نمطية البحوث الأكاديمية التربوية التي اعتبرت الميدان التعليمي حقلا لجمع البيانات في أقصر فترة زمنية ممكنة لإنتاج الدراسات البحثية، دون تقصي قضاياها والتعايش معها في فترة مطولة.

اعتمدت تجربة اليابان على نظرية الوزة الطائرة (الاستيراد، والإنتاج، والتصدير)، فقفزت من حمم القنابل إلى ثورة التقنية، لكنها لم تقفز بكليات التربية على الرغم من أنها استوردت الخطط، ولربما تقصيرها في محاولة الإنتاج والاستمرارية في تحديث واقعها، لم يجعلها تصل إلى مرحلة النضج والتصدير؛ وها هي على مشارف مرحلة الاستيراد مرة أخرى لتطور واقعها الجديد بعد الإيقاف.

الحلول ليست سحرية، أو سهلة التبني، ولكن البنية البشرية مهيأة للبناء والتميز. الوزارة أوقفت البرامج لتترك الكليات تتأمل واقعها ثم تبادر في تقديم الحلول، وتستعد للمنافسة والتمايز فيما تقدم، وإلا فلن يتغير شيء إن وجهت الوزارة بفتح البرامج أو استحداث برامج أخرى، ستتكرر الكرة مرة أخرى ولو بعد حين.

كيف تتطور برامج إعداد وتأهيل المعلم، هي بحاجة أولا أن تتخلص من أعباء المقررات النظرية للمتدربين، وتركز على التأهيل الميداني، وهنا يتطلب الأمر لتتغير خطط برامج تأهيل المعلمين ليصبح ثلثا وقت تدريبهم في الميدان التدريسي، والثلث الأخير يبقى للتمهيد، وتطوير القدرات، والتغذية الراجعة. المتدرب لا يحتاج أن يلقن كتاب أسس المناهج ونظرياتها، بل يحتاج أن يراها واقعا في الميدان، ليفهمها، ثم ينقدها، ثم يبني ما يناسب بيئته وتخصصه.

تدريب المعلم يحتاج إلى خبرات ثرية من واقع التعليم. الدولة استثمرت في ابتعاث وتأهيل نخبة من المعلمين والمعلمات والمشرفين والأكاديميين، والآن هؤلاء هم نقطة بناء التميز لبرامج تأهيل المعلمين، ولكن بحاجة لإطار يجمعهم تحت مظلة برامج التأهيل، على غير المعتاد في برامج البكالوريوس، وإنما يتعامل مع هذه المرحلة كسنوات التميز في العلوم الطبية.

إن دمج الخبرات التعليمية بما فيهم خبراء الوزارة في التخصصات المختلفة كبناء المناهج، وتأهيل المعلمين، ومدراء المدارس، والمعلمين الخبراء، والهيئات الأخرى كهيئة تقويم التعليم في تأهيل المتدربين وتدريسهم، ونقل التجربة لهم بالتزامن مع تدريس الأكاديميين، يحقق الثراء المعرفي والحوار المفتوح مع كافة الأطياف، وتصبح الكليات على دراية بمسارات المستقبل، وأن يكون صانع القرار شريكا فعليا في تأهيل وتدريب المعلمين في الكليات التربوية، ثم تتمايز الكليات في قدراتها على استقطاب الخبرات التدريبية من كافة الجهات.

التدريب التأهيلي المنغلق للمعلمين عرضة التقادم، وحتى تتجنب الكليات هذا الجانب تحتاج إلى الشراكة مع المؤسسات ذات الصلة داخل قاعة التدريب، وفي اجتماعات التقييم السنوي للبرامج، والمرونة في تحديث خطط البرامج. وفي ظل هذه الشراكات تتطور أهداف تأهيل المتدربين، وتحديث عملية بناء البرامج التدريبية باستمرار، ويساهم صناع السياسة التعليمية في قراءة واقع التأهيل والتدريب وقياس المخرجات في طبيعته.

تحتفل غدا الخميس 18 نوفمبر كلية التربية بجامعة أكستر بالذكرى السنوية الـ160 لبرنامج تدريب المعلمين، إلا أن احتفاظها ببرنامجها طيلة هذه المدة، وتطويرها المستمر، وتنمية شراكاتها، جعلها تكون من أفضل ثلاثة برامج لتطوير المعلمين في بريطانيا.

alahmadim2010@