محمد الأحمدي

دور البحث العلمي في تحقيق الاستدامة والتأثير

الثلاثاء - 26 أكتوبر 2021

Tue - 26 Oct 2021

لا جديد في أن تسمع القول بأن الأتربة تغطي الإنتاج العملي في المكتبات الجامعية.

وحتى يخرج هذا المنتج المعرفي للفائدة العامة فإن تحويله إلى واقع ملموس للمستفيد بحاجة إلى إصلاح، وإعادة مواءمة مع متطلبات الجمهور، ومع التطلعات المستقبلية للمجتمع، أو مع المبادئ الدولية التي تستهدف التنمية العالمية وإلا سيبقى محدود الانتشار.

في الحقيقة إن نشأة أهداف التنمية المستدامة كاستراتيجية عالمية لحل مشاكل العالم الرئيسة ظهرت في السبعينيات إلا أن الاستفادة منها على صعيد العمل البحثي في الجامعات يحقق التكامل بين البحث العلمي ومتطلبات المجتمع، ويصنع هوية فردية للجامعة، ويرسم خط التميز في الإنتاج العلمي لها، وهذه حرية بذاتها أن تجلب الاستثمارات العالمية للجامعات، وتقدم إنتاجها العلمي للعالم.

وبهذا تحقق الجامعات والمراكز البحثية أهداف التنمية المستدامة للدولة، وللإقليم المحلي، وللمجتمع العالمي، وتصنع أرضية مشتركة واعية لتحقيق نهايات إيجابية على مستوى الإنتاج العملي الموجه في ضوء مستهدفات التنمية المستدامة، وتسهم في التأثير العلمي في المجتمع المحلي والعالمي. وبهذا تنتقل من نطاق المحيط الإقليمي إلى المحيط العالمي.

لا يخفى على صناع السياسة في المراكز العلمية والمؤسسات البحثية أن العالم يضع خططا بعيدة المدى لأهداف التنمية المستدامة العالمية، كما فعل في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في عام 2012 الذي ركز على خمسة ركائز تتعلق بالإنسان والبيئية والازدهار والسلام والشراكة، ووضع أهداف ومعايير ومؤشرات لرصدها.

وتستحق أن تستفيد الجامعات والمراكز البحثية والمحاضن الرئيسة للمعرفة من أهداف التنمية المستدامة من خلال تقديم الإنتاج العلمي، وربطه بأهداف التنمية المحلية والعالمية لكي تضع لنفسها موقعا بين منتجي المعرفة العلمية على المستويين المحلي والعالمي، وحتى لا تبقى الأتربة صديقة لمنتجها المعرفي.

وعند النظر في مبادئ أهداف التنمية المستدامة فإن هناك ثلاثة مبادئ صالحة للجامعات والمراكز البحثية وصناعة المعرفة وهي تحديد الأولوية السياسية والاجتماعية، ووضع جدول زمني لتحقيق المتطلبات، وتطوير وسائل القياس والرصد لمتابعة التطور المستمر. وهذه جميعها اليوم متوفرة ومتاحة في رؤية المملكة 2030.

إن الواقع اليوم يشهد بأن جامعات الدول الأوروبية والغربية تستحوذ على قمة التصنيف العالمي في كثير من المعايير، وتهيمن على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، حيث يشير تقرير معهد المعلومات العلمي التابع لشركة Clarivate المختصة بتقديم تحليلات موثوقة حول الملكية الفكرية والابتكار، أن تركيز الأبحاث في المملكة المتحدة على وجهة الخصوص ازداد بنسبة ملحوظة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بعد إعلان مؤتمر الأمم المتحدة في 2012.

وعلى الرغم من أن هذا العمل أعاد توجيه البحث العلمي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة إلا أنه وجه بوصلة البحث العلمي خلال السنوات العشر الماضية في المجالات الخمسة المتعلقة بمبادئ التنمية المستدامة للعالم.

وتبقى الاستفادة والمنافسة قائمة على الأقل في المجالات التي يجمع العالم عليها كمحاربة الفقر، وتحسين الحياة المعيشية للناس، ورفع متوسط العمر، وضمان رفاهية وازدهار الاقتصاد، وحماية الكوكب من التلوث.

إن المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية تتسابق عالميا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتضع لنفسها ومعرفتها موطئ قدم في السياق العالمي والمحلي، ولتنال التمويل المالي الذي يحقق لها الاستدامة الاقتصادية، ويعطي التأثير العلمي لمنتجها.

إن الاستدامة لا تعني اللهث خلف الممولين دون رؤية متصلة، وقدرة نمائية مستمرة للمؤسسة في مجالات محددة تلبي الاحتياجات، ولا تضر بالأصول والثوابت للأجيال.

تتجلى اليوم فرصة سانحة أمام الجامعات والمراكز البحثية فيما أعلنه سمو ولي العهد في مبادرة السعودية الخضراء التي تتيح استثمارات تقدر بحوالي 700 مليار ريال، وغيرها من المبادرات الواسعة التي أطلقها سموه لتخفيض الانبعاثات الكربونية حتى الوصول إلى الحياد الكربوني في 2060. ويتضح من هذا بأن الجامعات والمراكز البحثية أمام مستهدف واضح، ورغبة سياسية عازمة، وما عليها إلا أن توجه رؤيتها في المساهمة في هدف التنمية المستدامة هذا.

وأجد بأن كل كلية قادرة أن تستفيد من المساهمة في توجيه إنتاجها العملي في هذا المجال، وتصنع مسارا علميا شاملا للكليات، بل إن قلت صياغة رؤية لمعظم التخصصات فإنها ليست بمبالغة، حتى تسهم في تحقيق هدف التنمية المستدامة هذا، على سبيل المثال، وإلا فجميع الأهداف قابلة للتحقيق بذات الطريقة، وهذا الذي أجده في الجامعات البريطانية التي تتسابق لتتقاسم أهداف التنمية المستدامة الوطنية أو العالمية لتسهم في التأثير المحلي والعالمي، وتشكل الفكر المجتمعي، وتستغل الفرص الاستثمارية المصاحبة لتلك الأهداف.

وقبل أن ينتهي المقال أقدم لك أنموذجا لمدى مساهمة «كلية التربية» في تحقيق هدف الحياد الكربوني في مبادرة السعودية الخضراء.

عندما تتبنى هذه الكلية في أهدافها تحقيق هذا الهدف فإن لديها سبلا متعددة لدراسة انعكاسات المبادرة حتى 2060 على واقع التعليم، والطلبة، وأولياء الأمور، والبيئة المدرسية، والأنشطة التعليمية، ومقارنة النتائج التحصيلية، وبرامج إعداد المعلمين، وتصميم المقررات، وتحسن الصحة للطلبة والمعلمين بالتعاون مع المراكز الصحية في دراسات بينية، وتوجيه الابتعاث، إلى آخره.. وهكذا مع بقية الكليات المختلفة، وتزداد المساهمة في تحقيق المستهدفات بين التخصصات البينية التي ترتبط بمراكز رصد مستهدفات المبادرة.

alahmadim2010@