طارق علي الصالحي

المسؤولية الاجتماعية للشركات من منظور تسويقي

السبت - 23 أكتوبر 2021

Sat - 23 Oct 2021

تعتبر المسؤولية الاجتماعية للشركات أحد الأهداف الاستراتيجية التي تركز عليها رؤية المملكة 2030 لتشجيع الشركات الوطنية لتقدم تنمية مستدامة ناجحة بكافة مجالات المسؤولية الاجتماعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ فالمسؤولية الاجتماعية للشركات ليست بالأمر الجديد، فعندما تبحث في أرشيف الشركات العملاقة في أمريكا وأوروبا وحتى آسيا، سوف تجد أن تاريخها حافل في برامج المسؤولية الاجتماعية وتحديدا الاجتماعية منها كالبرامج التعليمية، والتنموية، والوقفية، والقروض الحسنة للمواهب الشابة، والمنح الدراسية، وغيرها من البرامج التي تلامس حاجة المجتمع بشكل مباشر.

والمثير للدهشة أن أغلب أهداف الشركات الأجنبية الناشطة في هذا النوع من البرامج الطوعية التي تصل ميزانياتها إلى مئات الملايين من الدولارات لا ترجع إلى منطلقات دينية أو دنيوية، بل تضع هذه المبادرات الخيرية في خططها الاستراتيجية من باب الالتزام الأخلاقي والوطني المحض، ورغم اتفاق الجميع على الأهداف النبيلة لهذه الشركات في كرمها تجاه مجتمعاتها إلا أن كثيرا من المحللين يعتقدون أن الجانب التسويقي قد يكون حاضرا لدى البعض منها، والذي لا أرى من وجهة نظري إشكالية في ذلك كون هذه الشركات تسهم في خدمة أبناء جلدتها فتكافئها مجتمعاتها بتفضيل منتجاتها على بقية الشركات المنافسة من باب رد الجميل أو كما يقال «من يدعمنا ندعمه».

ولهذا قد تكون علاقة تبادل المصالح بين الشركات وأطياف المجتمع حلا مقبولا في حال قارنا ذلك بما يحدث مع أغلب الشركات التي للأسف ترفع نسبة مبيعاتها لتصل للثراء الفاحش من خلال طرق تسويقية لا تصب في مصلحة الوطن ولا المواطن كضخ أموالا هائلة لمنصات السوشل ميديا ومشاهيرها وغير ذلك من الإعلانات غير المفيدة.

أما شركاتنا الوطنية التي تنافس أغلبها شركات عالمية مرموقة فيفترض أن تكون الداعم الأول للوطن ومؤسساته غير الربحية في فك كرب المجتمع، وعدم هروبها عن مسؤولياتها الأخلاقية أو الخوف من إهدار أموالها في حال ضخت بعضا من أرباحها بشكل منتظم لخدمة المجتمع بكافة أطيافه؛ فالجميع يؤمن بأن ما نقص مال من صدقة، وإن إخفاء بعض الشركات أو ملاكها لأعمالهم الخيرية لاحتساب الأجر عند الله قد لا يصب في مصلحتهم ولا في مصلحة منتجاتهم ولا في مصلحة الوطن والمواطن؛ فالإفصاح عن المشاريع ذات المسؤولية الاجتماعية بكافة مجالاتها للعامة (بعد أخذ الموافقات من الجهات ذات العلاقة) سوف يرفع أسهم هذه الشركات أمام العملاء والدولة، ويحفز الشركات الأخرى على البدء بمشاريع مماثلة، ويكشف الشركات التي لا تريد أن تسهم في خدمة أبناء وطنهم ولا تريد حتى أن تنفع كيانها ومنتجاتها لو افترضنا أنها سوف تستخدم هذا الدعم للتسويق ورفع مبيعاتها، فتكون بهذا خسرت الدنيا والآخرة.

أما رؤية المملكة الطموحة  ٢٠٣٠ والتي رسم مفاصلها عبقري التغيير والتنمية الاقتصادية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان -حفظه الله-  فقد ركزت بوضوح على المسؤولية الاجتماعية للشركات خصوصا في برنامج التحول الوطني بل ووصفتها بالمستدامة لمساعدة الشركات على تحقيق مستوى متقدم في التمكين والتكاتف الاجتماعي وإبراز الدور الأخلاقي للشركات أمام المواطن والذي يمكن أن نسميه «التسويق غير المباشر»، كما أن هذا الهدف ليس موجه للشركات المحلية فقط وإنما الدولية منها، حيث تعمل المملكة على استقطاب العديد من  الشركات الدولية المرموقة بل وألزمتها مؤخرا بفتح مكاتبها الإقليمية بالمملكة كشرط لدخولها في منافسات المشتريات الحكومية الأمر الذي حتما سوف يشجع هذه الشركات على توجيه برامجها المليونية الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للمجتمع السعودي.

 ولكي يتم تطبيق هذا المقترح بشكل موضوعي وعادل وشفاف، أرى أن تسمح وزارتي التجارة والموارد البشرية للشركات المحققة لشرط «المسؤولية الاجتماعية المستدامة « بوضع ما يثبت أنها تدعم المجتمع كوضع علامة «داعم» على منتجاتها بثلاثة ألوان يحدد كل لون نسبة المبلغ المرصود للمسؤولية الاجتماعية « مقارنة برأس مال الشركة أو أرباحها السنوية» وذلك لتشجيع الشركات على المنافسة فيما بينها أمام المجتمع الذي سوف يتعرف على الشركات الرائدة في العمل المجتمعي فيدعم منتجاتها ويخرج الجميع من هذا المقترح رابحا.

كما أقترح أن يطالب جميع وكلاء الشركات الدولية العملاقة بالمملكة من شركاتهم الأم بإدراج المملكة في برامج المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها هذه الشركات لدول العالم. فعلا سبيل المثال، أين نصيب المملكة المعروفة بأكبر مستهلك للمنتجات العالمية بالمنطقة من التبرعات الهائلة التي تقدمها شركات التقنية، والمشروبات الغازية الشهيرة، ووكالات السيارات المختلفة، وغيرها من الشركات التي تضخ مئات الملايين من الدولارات سنويا  كدعم للأبحاث العلمية، ومختبرات الأمراض المستعصية، والمنح الدراسية، والأوقاف الخيرية، وصناديق حماية البيئة، وغيرها من التبرعات المجتمعية الموجهة لكافة دول العالم الغنية قبل الفقيرة!

وقد يطرح أحد رجال الأعمال سؤالا منطقيا حول الفائدة التي سوف تعود عليه في حال ضخ أموال للمسؤولية الاجتماعية في هذا الوقت الذي يشهد ركودا اقتصاديا على مستوى العالم، وهنا لن أتحدث عن الفائدة الدينية والأجر العظيم الذي سوف يبقى له عندما لا ينفع مال ولا بنون، ولن أعيد مسألة الفائدة التسويقية لمنتجاته في حال لامس قلوب المستهلكين، بل سوف أتحدث معه بلغة المال والأعمال؛ فالدولة -حفظها الله- سوف تتعرف على الشركات التي تدعم المجتمع، وقد ترفع بعض الجهات الحكومية نسبة الدعم المجتمعي في معايير المفاضلة في ترسية مشاريعها، وسوف تقدم لهم الجهات المعنية كل التسهيلات وشهادات الشكر مما سوف ينعكس على تطورها ونموها واحترام الدولة لها، ناهيك عن ترحيب البنوك وشركات التمويل بتقديم كافة الخدمات التمويلية المختلفة لهذه الشركات الفاعلة مجتمعيا، وليس هذا فقط، بل تفاجأت عندما قال لي أحد الأصدقاء العاملين بأحد الشركات الشهيرة بالمملكة «إن التزام مؤسس الشركة وكياناتها بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن والمواطنين لعقود شكل نسبة هائلة من إقبال الناس على فروع ومنتجات شركاته» «ليس دائما لجودتها» بل لثقة المجتمع بمؤسس هذه الكيانات التجارية مما جعل هذا الرجل يكسب رضى الله، واحترام الدولة، وتفضيل المجتمع لمنتجاته.

وفي النهاية، لا أرى على المستوى الشخصي أي ضرر بأن تستخدم الشركات ما تقدمه من دعم للمسؤولية الاجتماعية كنوع من التسويق لمنتجاتها في حال كان هناك تنظيم مقنن من الجهات ذات العلاقة لضمان الموضوعية والشفافية وعدم التلاعب، فبهذا نكون شجعنا الشركات المحلية والأجنبية على تقديم خدمة جليلة للوطن والمواطنين وفي نفس الوقت رفعنا نسبة مبيعات هذه الشركات لنضمن استمراريتها بالسوق المحلي.

@Dr_Talsalhi