زيد الفضيل

معرض الكتاب وتعزيز الهوية الوطنية

السبت - 16 أكتوبر 2021

Sat - 16 Oct 2021

قدمت في ندوة «التراث والمستقبل» التي تشرفت بإلقائها بمعرض الكتاب الدولي بالرياض 2021م عددا من التوصيات التي أرجو أن ينظر إليها وزير الثقافة الأمير بدر آل سعود، وكان على رأس تلك التوصيات مقترح مفاده أن يتم تسمية المعرض في كل دورة باسم أحد رواد المعرفة في ثقافتنا، ويخصص له ندوة فكرية لعرض سيرته، وبيان أهم كتبه، ومناقشة بعض ملامح تجربته المعرفية إجمالا، وبالتالي سيكون عنوان المعرض كما أتخيل كالآتي «معرض الكتاب الدولي بالرياض 2022م (دورة حمد الجاسر مثلا)، وحتما فإن ذلك سيسهم في تعزيز علائق التواصل بين الأجيال المعاصرة وجيل الرواد في ثقافتنا المعرفية، كما سيفتح الباب للتنويه بجيل علماء الأنوار العربي وفق ما بينتهم في محاضرتي، وهم أولئك الأفذاذ الذين اكتفى المثقف العربي بالإشارة إليهم عرضا دون التبحر في تأمل أطروحاتهم المعرفية، ولعمري فذلك هو لب إشكال الحداثة لدينا لعدم إدراكها بأن جسر عبورها قائم على مفاصل الربط بأولئك وليس بغيرهم من علماء الأنوار الأوروبيين جملة.

في جانب آخر فقد أوصيت بالاهتمام بتنمية المتاحف الرسمية والخاصة لكونها الحافظ لتفاصيل موروثنا المادي واللامادي، وأشدد هنا على المتاحف الخاصة التي بات ملاحظا زيادتها بين أفراد الناس من العامة، وهو أمر جميل نحتاج إلى تعزيزه وتنميته في ثنايا مجتمعنا، كما لا يستغني أولئك عن تقديم كل مظاهر الدعم اللوجستي من قبل هيئة التراث وهيئة المتاحف، وكم أرجو أن يكون لدينا قريبا معرض للمتاحف الخاصة، على غرار معرض الكتاب الذي يتاح فيه لدور النشر عرض إنتاجها، والحال في معرض المتاحف الخاصة كمعرض الكتاب، حيث يتاح لكل جامع أن يعرض ما لديه من تحف ولقى أثرية وموجودات خزفية علاوة على عديد من المقتنيات القديمة التي ترتبط بموروثنا اللامادي جملة، ويترك له اختيار المساحة المناسبة التي تمكنه من عرض موجوداته بحسب قيمتها التراثية وكثرتها.

وحتما سيكون لذلك أكبر الأثر في نفوس أبنائنا ابتداء، الذين سيشعرون بقيمة ما تختزنه ذاكرة مجتمعهم من موروث جميل يستحق المحافظة عليه ودعمه وتنميته مستقبلا.

في جانب آخر أشير إلى أن قيمة الشيء في مضمونه، وقيمة معرض الكتاب في محتواه، ويشترك في تقديم هذا المحتوى فريقان لكل منهما أهدافه وغاياته، وهما منتجو المحتوى وصانعوه الذين نطلق عليهم اسم الناشرين، ووزارة الثقافة ممثلة بهيئتها المعنية التي تنظم المعرض وتقدمه لجمهورها المستهدف.

وإذا كان الناشر بعمومه مقيد بمفهوم الربح والخسارة، فنرى بعضهم يعمد إلى توسيع دائرة نشره دون اعتبار لأي ضابط معرفي أو قيمي من أجل أن يحقق الربح المناسب له، وبالتالي نراه منهمكا في طباعة ما هب ودب، ونشر أي كلام لأي راغب في أن يوصف بأنه كاتب ومؤلف، ومن هؤلاء مشاهير ما يعرف بالسوشل ميديا، الذين أقحمتهم بعض دور النشر في عالم الكتاب رغبة في تحقيق منفعة مادية، وكان أن حققوا المراد جملة من خلال تلك العنوان الصادمة التي أزعجت النفس بغض النظر عن قيمة المحتوى المنثور من عدمه؛ إذ كان ذلك هو هدفهم، فإن هدف وزارة الثقافة مختلف بالكلية، لكونها معنية بحماية القيمة المعرفية من السقوط في شرك أولئك، بل ومعنية بحماية المجتمع من الوقوع فريسة في شرك العولمة السلبي، الذي إن تعمق في وجدان أولادنا حاضرا ومستقبلا سيكون له أكبر الأثر السلبي على واقعنا الحياتي، فمجتمع فاقد لهويته مجتمع ضعيف لن يكون له وجود في عالم الأسياد مستقبلا.

من هنا أتصور بأن قيمة معرض الكتاب مستقبلا ستكون في رفع سقف معايير المحتوى المعروض، من حيث قيمته الأدبية والأخلاقية، وسمته المعرفي، وهو ما سيؤدي إلى فرز دور النشر عن بعضها البعض وفقا لجودة محتواها بالدرجة الرئيسة، ويحمي المعرفة الحقة من السقوط في فوضى الجهل والتزوير والغبش الذي صار مستشريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي أسست لنظام التفاهة كما يقول ألان دونو في كتابه المهم.

ختاما ومن باب الإنصاف أحب أن أشيد بتلك الدور العربية التي التزمت بقيمها المعرفية وسمتها الأخلاقي، فلم تنشر سوى ما تراه مفيدا وله قيمة معرفية بوجه عام، وهي دور راسخة بعمقها الزماني والمكاني في وجدان المثقف المهموم، الذي ما إن يدلف المكان حتى يبدأ بالبحث عنها ليستنشق بعض هواء نقي في أروقتها، فطوبى لها هذا الإجلال، وطوبى لمسؤول اكتنز في داخله قدرا كبيرا من المسؤولية المعرفية إزاء واقع نراه يتلاشى بين أيدينا وأخاف أن نتلاشى معه كليا.