زيد الفضيل

هيئة المعرفة والنشر يا وزير الثقافة

السبت - 04 سبتمبر 2021

Sat - 04 Sep 2021

وأنا أتابع حيثيات ملتقى الأدباء المنعقد الأسبوع الماضي بمدينة أبها، من خلال ما كتبه الضيوف عبر تويتر، سألت نفسي بكل مرارة وألم: وأين أنا وأمثالي من هذا الملتقى؟ بل أين نحن من تصنيف وزارة الثقافة وهي التي لم تعر بالا لوجودنا في كل تصنيفاتها المتنوعة، على الرغم من أننا نحن الكثرة الكاثرة في واقع المشهد والحراك الثقافي؟ أسئلة عدة تداعت عليّ ولم أجد لها جوابا شافيا، وليسمح لي وزير الثقافة أن أعيد توجيهها له، فلعلي أجد لها جوابا مقنعا لديه.

القصة تبدأ منذ اللحظة التي احتكر فيها البعض مؤسسة النادي الأدبي حال تجديد هويته على عهد وزير الثقافة والإعلام الأسبق إياد مدني، وجعلوه مقتصرا على جنس واحد من أجناس المعرفة، وهو جنس الإبداع القصصي والروائي والشعري وما يتعلق بها من كتابة نقدية، في حين لم يكن كذلك حال تأسيسه منتصف السبعينات الميلادية، بل ولم يخطر في بال الآباء المؤسسين أن يكون حكرا على جانب محدد من جوانب المعرفة، ولا سيما أنهم كانوا من أولئك الكشكوليين الذين مثلوا الرعيل الأول لجيل النهضة الثقافية في مجتمعنا السعودي، ولذلك فقد جاء استخدامهم للفظة «الأدبي» كوصف لناديهم استنادا إلى مفهوم اللفظة العام والدارج في حينه، الذي ترسخ في وعيهم من كتب التراث ككتاب «معجم الأدباء» لياقوت الحموي، وحتما فلم يكن ياقوت يقصد التعريف في معجمه بكُتاب القصة والرواية والشعر وحسب، وإنما جاء معجمه جامعا شاملا لكل من لاك المعرفة وكتب فيها. ذلك كان مقصدهم، وتلك كانت غايتهم، ولذلك فقد وجد النادي احتضانا من قبل كل المعرفيين في المجتمع، سواء كانوا من القصاصين أو الشعراء، أو من اللغويين والمؤرخين والكتاب بوجه عام.

على أن ذلك لم يستمر كما أشرت، فكان أن تغير المفهوم مع إصدار اللائحة الجديدة لمؤسسة الأندية الأدبية، وتم اقتصار العضوية فيها على خريجي قسم اللغة وآدابها، وبذلك تم تهميش كثير من المعرفيين لكونهم ليسوا من منتجي أحد أجناس الأدب بتعريفهم المعاصر، وليسوا من خريجي أقسام اللغة وآدابها، وهو ما دعاني في وقته لرفع الصوت والمطالبة بعضوية للمهمشين، وهم الكثرة الكاثرة والجمهور الحقيقي لتلك المؤسسات، ومن باب الإنصاف أشكر رئاسة النادي الأدبي بجدة التي أضافت وصف «الثقافي» إليها فبات اسم المؤسسة «النادي الأدبي الثقافي»، كما أشكر رئاستها في حينه التي سمحت باستثناء بعض المهمشين للحصول على عضوية النادي، وكنت أحدهم للأسف، وأقول «للأسف» لكوني لم أحصل على العضوية استحقاقا بل استثناء.

كل ذلك كان في عهدة وزارة الثقافة في نسختها القديمة الملحقة بوزارة الإعلام، وكنت من الفرحين بفصل الوزارة ومن المستبشرين بعهدها الجديد، لا سيما مع تشكل مختلف الهيئات والقطاعات؛ وعلى الرغم من تسمية الهيئة المعنية بنا كمثقفين باسم «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، لكني كنت أستشعر بأن مصطلح «الأدب» لن يكون قاصرا على جنس معين من أجناس المعرفة، وكنت متصورا بأن رؤية شاملة جديدة ستنطلق منها الوزارة في حلتها الجديدة، وأن ما تداوله المثقفون بالنقاش في مرحلة سابقة ستتلافاه الوزارة في هيئتها الجديدة، التي ستكون بمثابة المظلة الجامعة لكل فنون المعرفة والمتعاطين معها. غير أن كل هذه الآمال قد تساقطت أمامي وأنا أنظر لملتقى الأدباء، وهو أول ملتقى تنظمه الهيئة لعرض استراتيجيتها، فترسخ في ذهني واقع التهميش الذي بات يتكرس ضمن ثنايا مشهدنا عهدا بعد عهد، وثار في ذهني ذلك السؤال الوجودي الحائر وهو: وأين أنا وأمثالي من وجهة نظر الوزارة؟

على كل وفي لحظة تأمل صامتة، وفاء لنفس أرهقها طول المشوار، أخذت أفكر في مسمى يمكن أن يكون جامعا وافيا لكل من يتداول الكلمة في سياقها الثقافي وليس الأكاديمي، فوجدت أن أفضل وصف يمكن أن يطلق على الهيئة المشار إليها هو اسم «هيئة المعرفة والنشر والترجمة»، ذلك أن المعرفة بمعناها الفلسفي ودلالتها الفكرية هي غاية ما تهتم به الثقافة، وتسعى إلى تحقيقه عبر مختلف أدواتها الفنية والفكرية، فالإبداع القصصي والروائي والشعري معرفة، والكتابة التحليلية في الشأن المجتمعي معرفة، والطرح التفسيري الهادف إلى فهم الأشياء وإدراك معانيها وتأثيراتها على نفسها وعلى غيرها معرفة، والقراءة السيميائية لكل فعل مجتمعي فني وغيره معرفة. هكذا تخيلت الحال لو تغير المسمى، فهل إلى ذلك سبيل؟ أرجو أن يكون، ولا سيما أن وزارة الثقافة قد أنشئت لتلبي احتياجات كل فئات المعرفيين وليس فئة منهم.

zash113@