بندر الزهراني

قضايا الجامعات في عيون المخلصين

السبت - 28 أغسطس 2021

Sat - 28 Aug 2021

قبل الحديث عن أهمية تناول قضايا الجامعات بشفافية وبعيدا عن المجاملات، دعوني أؤكد على أنه ليس بيني وبين مسؤولي الجامعات من الأكاديميين والإداريين -لا سمح الله-عداوة، ولا بيني وبينهم -ولله الحمد- معرفة أو صلة قرابة، وأعمالهم التي هي محل النقد والملاحظة وإن تشابهت بالتناسخ والتقليد ليست كلها سواء في ميزان الجرح والتعديل، والشيء الأساسي الذي يربطني بالجامعات هو ذلك الشعور الوطني الراسخ في نفسي رسوخ الرواسي الشامخات، جبلت عليه كأي أكاديمي حر، وكأي إنسان طبيعي يحب وطنه ويقدم مصلحته -أعني الوطن- على مصالحه الخاصة، ولا شك أنني أتقاسم هذا الشعور الفطري الجميل مع كل المواطنين المحبين لوطنهم والطامحين لرفعته وتفوقه.

وليت أننا كتابا وقراء ومسؤولين حينما نتبادل النقد أو نتجاذب أطراف الحوار نترك الأمور العاطفية جانبا، ونناقش كل ما نقوم به من أعمال تمس المصلحة العامة نقاشا مجردا من المجاملات والمنافع الشخصية، ولا بد مع المعرفة وسعة الاطلاع ونضوج التجربة أن نتحلى بالصبر والحكمة ورحابة الصدر، وتقبل الآخر وسماع رأيه، فإن كان ما يقوله منطقيا ويمكن البناء عليه أخذنا به، وإن كان غير ذلك عدلناه وصححناه بالحسنى أو أعرضنا عنه بملكنا ومحض إرادتنا، وإلا فإن ما فطر في أنفسنا من حب قدسي لهذا الوطن يصبح لا قيمة له، ولا معنى للحوار ولا جدوى أو فائدة ترتجى منه.

تقبل وجهات النظر على اختلاف منطلقاتها وتباين مستوياتها وتنوع ميول أصحابها يعكس رقي المتحاورين أنفسهم، ويعطي شعورا عاما بالرضا وانطباعا جميلا لدى المتتبعين والمهتمين بالقضايا المطروحة للنقد والمناقشة، فضلا عن أن هذه الظاهرة تعد سمة وميزة للمجتمعات المتحضرة، المجتمعات الأكثر ثقافة وتنوعا فكريا، والأكثر مرونة وقابلية للتغير الإيجابي والتطور المطرد.

من حين لآخر يدعوني بعض الزملاء إلى استخدام لغة حوارية بسيطة، وفيها تشجيع للإدارات الجامعية، ولو من باب المجاملة لها وبث الحماس فيها، وشحنها بالطاقة الإيجابية، بدلا عن النقد المستمر الذي ربما يوهن العزائم ويثبط الهمم، وهذه الدعوات وإن كانت دوافعها صادقة وبواعثها نوايا حسنة، إلا أنها قاصرة عن فهم وظيفة الإعلام الحقيقية، فالإعلام الناقد للقضايا العامة ليس مجرد ناقل للخبر أو شاهدا عليه، وإنما هو نبض الشارع وضميره، يراقب الأحداث بفطنة وذكاء، ويناقش واقع حالها بعقلانية وشفافية، يربي المجتمعات معرفيا وثقافيا، وينمي وعيها، وفي حالات يحاسب بلا هوادة.

ولولا أن تفاعل الناس مع ما يكتبه الناقد -مهما كان اتجاه تفاعلهم- يعني له الشيء الكثير، بل وأكثر من الكثير، وأقل ذلك أن موضوعه قد لامس شيئا في أنفسهم، لما تجددت في نفسه دوافع الإبداع الكتابي ولا تطورت أدواته وأساليبه، ولولا أن بعضهم يقدمون العاطفة على المنطق، والحلم على الواقع، لربما وجدنا في ردودهم سياقا حضاريا يدعو للأخذ أو نسقا معينا يستلزم الرد، فالمحاولات التي تطغى عليها العاطفة والمجاملات، ويغيب عنها العقل الناقد، لا تنفع ولا تشفع أمام قوة النقد الحر والهادف.

قضايا الجامعات والشؤون الأكاديمية عند المخلصين يجب أن تتجاوز عواطفهم الشخصية وتطلعاتهم الخاصة، وإلا سقطوا كما سقط غيرهم، هل تظنون منا -على سبيل المثال- موقفا محايدا أو منحازا لجامعة «برينستون» لو تفوقت عليها جامعة محلية وكانت أفضل منها تصنيفا في الواقع لا في أوهام الحالمين! لا طبعا، أو كان مثلا حسن الهويمل أو سعيد السريحي رئيسا أو رئيس مجلس أمناء إحدى الجامعات المحلية هل كنا سنقول أعطونا الروبوت «صوفيا» بدلا عن أي منهما! طبعا لا، إذن القضية ليست في المحلي أو الدولي، ولا في النافذ أو الناشئ، بل في العمل الحقيقي والمخزون الثقافي والإنتاج الفكري.

drbmaz@