سالم الكتبي

«جوار» الملالي ومصير الاتفاق النووي

الأربعاء - 25 أغسطس 2021

Wed - 25 Aug 2021

وسط انشغال العالم بمتابعة ما يجري على الأراضي الأفغانية من تطورات متسارعة منذ سيطرة حركة «طالبان» على العاصمة كابول، أصدرت وكالة الطاقة الذرية الدولية تقريرا يشير إلى أن إيران قد عجلت تخصيب اليورانيوم إلى نسبة قريبة من تلك اللازمة لصنع السلاح النووي، وأضافت الوكالة أن طهران لجأت من أجل هذا الغرض إلى مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة يخصب أحدهما اليورانيوم إلى درجة نقاوة 60 في المئة. وأفادت الوكالة في تقريرها بأن إيران كانت تستخدم مجموعة مؤلفة من 164 جهاز طرد مركزي «آي آر-6» للتخصيب لما يصل إلى 60 في المئة في مفاعل فوق الأرض في نطنز، وأكدت الوكالة أنها تحققت من أن إيران تستخدم الآن هذه المجموعة ومجموعة أخرى مكونة من 153 جهازا من طراز «آي آر-4» لنفس الغرض. الولايات المتحدة من جانبها ردت على تقرير الوكالة بدعوة نظام الملالي الإيراني بالتوقف عن التصعيد النووي والعودة للمفاوضات والامتثال الكامل للاتفاق النووي.

ولاشك أن هذا التطور ليس مفاجئا تماما للمراقبين في ضوء وتيرة الانتهاكات الإيرانية لبنود الاتفاق النووي خلال الآونة الأخيرة، ناهيك عن صدامها مع وكالة الطاقة الذرية ورفض إيران تزويد مفتشي الوكالة بشرائط الفيديو التي سجلتها كاميرات المراقبة في المواقع المتفق عليها خلال الأشهر الأخيرة، بما يدعو للقول بأن تقرير الوكالة هو في حقيقة الأمر بمنزلة تبرئة للذات مما يحدث على صعيد البرنامج النووي الإيراني الذي يصعب على الوكالة حاليا التيقن من وتيرة تطوره الحقيقية لفقدانها وسائل الرصد والمراقبة وانقطاع صلتها عمليا بما يجري على أرض الواقع.

الشواهد باتت تؤكد أن واشنطن قد تعمدت «تبريد» مسألة الرد عسكريا على الهجوم الإيراني على ناقلة النفط الإسرائيلية «ميرسر ستريت» في بحر العرب خلال نهاية شهر يوليو الماضي، من أجل تعزيز فرص نجاح مفاوضات فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، ولكن المعضلة أن الأمور تزداد تعقيدا وأن هناك معطيات عدة باتت تضعف الموقف الأمريكي لمصلحة موقف ملالي إيران، ويأتي في مقدمة هذه المعطيات التطور الجديد في أفغانستان، حيث يمثل الانسحاب الأمريكي السريع وسيطرة حركة «طالبان» على البلاد في توقيت قياسي مغاير لتوقعات الأوساط السياسية الأمريكية عنصر ضغط إضافي على إدارة الرئيس بايدن ليس فقط بالنظر إلى ما يمثله ذلك من ضعف لموقف إدارة الرئيس بايدن التي تواجه انتقادات داخلية وخارجية حادة جراء الفشل في تقدير سيناريو ما بعد الانسحاب وتفادي المشاهد المرتبكة التي ظهرت عليها القوات الأمريكية لدى خروجها من أفغانستان، ولكن أيضا لأن ملالي إيران ربما يستشعرون القوة بسبب خروج القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان في توقيتين متقاربين للغاية، حيث يعتبر ملالي إيران أن هذه التطورات بمنزلة هزيمة دالة على انحسار نفوذ الولايات المتحدة عالميا، وبما يجعل من الصعب انتزاع تنازلات منهم على مائدة التفاوض في فيينا، لاسيما أن الموقف الإيراني المتشدد قد يلقى دعما وتشجيعا من قوى كبرى أخرى تريد استغلال الموقف الأمريكي الراهن والدفع باتجاه تقويض النفوذ الأمريكي في كافة الملفات والقضايا الدولية.

ثمة عنصر ضغط إضافي قوي آخر على المفاوض الأمريكي ويتمثل في الارتباك الاستراتيجي للإدارة الأمريكية الحالية، والتي يبدو أنها تأخرت كثيرا في حسم الملفات وفقا لأولوياتها وتأثيرها على المصالح الأمريكية، فوجدت نفسها في مواجهة قضايا متراكمة تتطلب الحسم وترتبط ببعضها البعض عضويا بشكل أو بآخر، إذ لا يمكن الفصل بين تطورات الملف الأفغاني ومصير الاتفاق النووي الإيراني، كما لا يمكن الفصل بين هيبة الولايات المتحدة وقوتها التي وعد الرئيس بايدن باستعادتها وبين مشاهد تساقط العالقين بالطائرات الأمريكية على أرض مطار كابول، ناهيك عن صعوبة الفصل بين سحب القوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان في توقيتات متقاربة وبين ما سيجري في أي جولة تفاوضية مقبلة في فيينا.

وباعتقادي فإن تأخر الرد الجماعي الذي وعدت به الولايات المتحدة، على الهجوم الإيراني على ناقلة النفط الإسرائيلية، واستمرار سياسة التريث في مواجهة انتهاكات ملالي إيران، ثم ما حدث في أفغانستان بما يعنيه من وجود نظامين دينيين متشددين متجاورين، وفشل خطة دمقرطة الحياة الأفغانية، كل ذلك يصب بمصلحة ملالي إيران ويدعم قدرتهم التفاوضية ويعزز فرص حصولهم على تنازلات كبرى من البيت الأبيض الذي بات يسعى بكل الطرق لتحقيق إنجاز نوعي كبير يصرف الأنظار عن الإخفاقات التي حدثت في أفغانستان والعراق.

وفي ضوء ما سبق وما نتج عن جوار الملالي -الأفغان والإيرانيين- من متغيرات استراتيجية بالغة الأهمية، يمكن القول إن تقديم أي تنازلات أمريكية جوهرية لملالي إيران في المرحلة المقبلة سيكون له تأثير سلبي خطير على سمعة الولايات المتحدة ومكانتها عالميا، وسينظر إليه عالميا باعتباره هزيمة أمريكية جديدة، بما يدفع العالم إلى مرحلة جديدة من الصراعات القطبية الهادفة لملء الفراغ الناشئ عن التراجع الأمريكي، وسيغذي أطماع القوى الإقليمية وقدرتها على نشر المزيد من الفوضى والاضطرابات، كما قد يعجل بنشوب حرب إيرانية إسرائيلية لاسيما إذا تيقنت حكومة نفتالي بينيت من اقتراب ملالي إيران فعليا من امتلاك «القنبلة»، وأن الحليف الأمريكي لن يعاقبهم على انتهاكاتهم بل سيقدم لهم المزيد من التنازلات من أجل تحقيق إنجاز سياسي يحسب لإدارة الرئيس بايدن.

drsalemalketbi@