غسان بن محمد عسيلان

المشاهد بين كماشة شذوذ نت فليكس وعري الدراما العربية

الاثنين - 23 أغسطس 2021

Mon - 23 Aug 2021

من أبرز المفاهيم والمصطلحات الفكرية التي أنتجتها الحضارة الغربية مصطلح (الحداثة) وتتلخص أهم خصائصه في اعتبار أن المادة فقط هي أساس الفكر ومصدر المعنى والقيمة، وأن العقلانية المادية (الحسية) هي الآلية العملية الوحيدة التي تمكننا من التعامل مع هذا الواقع المادي!!

ومن يتأمل مفهوم (الحداثة) ضمن هذا السياق يجد أن الحضارة الغربية من خلال (العقلانية المادية) تنظر للإنسان باعتباره مركز الكون والطبيعة، وكأنه إله أو شبه إله من حقه أن يتصرف كما يشاء، وهذه النظرة المتطرفة تمثل منظومة من الأفكار المعقدة التي تشكل وعي الإنسان الغربي بذاته وبرغباته وشهوات جسده وفهمه لواقعه وللطبيعة المادية من حوله!!

الخلاصة هي أن الحداثة مشروع غربي يستهدف قطيعة المجتمعات الإنسانية مع الدين والأعراف والتقاليد التي شكلت وعي البشرية على مدى تاريخها الطويل؛ لأنها ترى أن الإنسان غني عن القيم الإلهية، والأخلاقية، والمعنوية، والفضائل الدينية، والتعاليم الروحية، وتسعى إلى تنظيم السلوك البشري من خلال ضرب القيم الدينية، وتوجيه البشر إلى تبني قناعات وقواعد جديدة من أبرزها حرية البشر المطلقة في فعل أي شيء بما فيها تغيير نظام العلاقات الجنسية الفطري عبر نشر الشذوذ، وتغيير مفاهيم الناس عن الأمور الطبيعية مثل (الذكر، الأنثى، الزواج، الحمل ... إلخ) ومن خلال جهود فكرية وأعمال ثقافية في مقدمتها الدراما يتم تفكيك القناعات الإنسانية السوية وبناء قناعات جديدة تتقبل الشذوذ وتتعامل مع فكرة حرية تغيير جنس الشخص بناء على ميوله الجنسية على أنها أمور عادية من صميم حقوق الإنسان، دون النظر إلى الجوانب الدينية والأخلاقية، وعدم وصف ذلك بأنه تغيير لخلق الله!!

ومن يشاهد الدراما في شبكة (نت فليكس) يكاد لا يرى عملا واحدا دون نشر للعري والشذوذ والمجون، وتمرير كل ذلك على أنها علاقات إنسانية عاطفية عادية تتولد نتيجة وجود مشاعر وعواطف معينة تدفع لإقامة هذه العلاقات، وتحاول الدراما بوسائل التأثير المختلفة إقناع المشاهدين بتقبل ذلك، بل والتعاطف مع هؤلاء الشواذ واعتبارهم جزءا من الطيف الاجتماعي الواسع.

ومن يتابع الدراما العربية يجد أنها منذ نحو عقدين من الزمن وهي ترسخ قيم النموذج المعرفي الغربي الذي يحتفي بالمادة فقط بعيدا عن أية مضامين أخلاقية أو إنسانية، فالإنسان مجرد سلعة وقيمته هي كقيمة أي سلعة مادية!

ومعظم المسلسلات والأفلام العربية –إن لم تكن كلها– تركز منذ سنوات على إنتاج (الإنسان الحداثي) وتشكيل وعيه ووجدانه بشكل مادي بحت لا مجال فيه للقيم الدينية والأخلاقية، بحيث لا يهتم في حياته إلا بالحصول على المال لإشباع غرائزه المادية وشهوات جسده، ويسعى بكل السبل لإشباع هذه الغرائز باعتبارها المحرك الوحيد لكل أفعاله وتصرفاته.

والدراما العربية الحالية حافلة بالعنف والقسوة والقهر والضغط على مشاعر ووجدان الإنسان العربي المسلم بكل الطرق ليصبح إنسانا حداثيا تتملكه الأنانية وحب الذات، ولا يفكر إلا في إشباع غرائزه ولو على حساب الآخرين.

ولنأخذ على سبيل المثال (مسلسل الأخوة) الذي أنفق على إنتاجه ببذخ ليعرض في 116 حلقة على مدى 3 أجزاء، عرضت في 3 مواسم رمضانية متتالية، فهذا العمل يقدم صورة سيئة للمجتمعات العربية والإسلامية، ويدمر الأخلاق فيها من خلال عرض أجساد النساء شبه العارية طوال العمل ونشر الشذوذ والخيانات الزوجية والعلاقات المنحرفة داخل أفراد العائلة الواحدة ولا ندري أين الفن في ذلك؟!

كما أن معظم المسلسلات والأفلام لا تقدم سوى نموذج النساء اللائي يتحركن في كل مكان بملابسهن الفاضحة، وكأن الهدف هو التأكيد على أن المرأة حرة في التصرف في جسدها بغض النظر عن أحكام الدين وشرائعه.

إن هناك حرصا على تقديم السم من خلال هذه النوعية من الدراما التلفزيونية وخصوصا التي تعرض في رمضان، وكأن الهدف الوحيد لهذه الأعمال الدرامية هو زعزعة القيم والأخلاق لضرب المجتمعات العربية والإسلامية في مقتل!

والمشاهد يحب الممثلين ويتأثر بهم ويقلدهم ويتعاطف معهم، ومن خلال التشويق والإثارة في هذا الأعمال الدرامية يعتاد الإنسان ذلك، ثم يعتاد الانغماس والسقوط في بئر الفساد الذي تنشره هذه الدراما الخبيثة سيئة السمعة.

وفي ظل هذه المنظومة وما بها من صراعات ومؤامرات بين أفراد العائلة الذين يعيشون حياة منفلتة بلا قيم أو أخلاق حب وعشق وهيام وشهوات وملذات وخيانات لا حد لها، وكأن الأصل هو نشر الفجور والخيانة والعيش في كل اتجاه وفي مجتمع بلا قيم وبلا دين أو أخلاق، وتقديم شخصيات مشوهة نفسيا وأخلاقيا لأبناء المجتمع ليقتدوا بها ويقلدوها في حياتهم لتدمير بنية المجتمع الأخلاقية.

@GhassanOsailan