عبدالله العولقي

بين الثقافة والحضارة

الاثنين - 16 أغسطس 2021

Mon - 16 Aug 2021

هناك آراء متباينة بين المتخصصين حول العامل الحاسم في التقدم الحضاري؛ فالبعض يقدم الأسباب الثقافية، والثقافة هنا بمعنى الذهنية المجتمعية؛ ففي كتاب الثقافة البدائية للعالم الإنجليزي إدوارد تايلور وهو أحد مؤسسي علم الأنثروبولوجيا يؤكد أن الثقافة هي المركب الذي يتكون من المعرفة والاعتقاد والفنون والأخلاق والقانون والأعراف بالإضافة إلى العادات التي يكتسبها الإنسان في حياته، بينما في كتاب (تاريخ الثقافة العالمية) للكاتبين تشيكالوف وكوندراشوف نجد أن الثقافة تتشكل في المجتمع كتأثير جمعي لا يختلف أبدا عن تأثير الجينات الوراثية ومن السهل ملاحظة تبايناتها على المجتمعات البشرية.

ذكر الكاتب ممدوح المهيني في معرض حديثه عن الموضوع أن المفكر هنتنجتون يعد من أهم المؤيدين لفكرة القيم الثقافية ودورها في نهضة الأمم أو تأخرها، وهو يقدمها على العوامل السياسية والاقتصادية، فهو يرى أن قيما كالانضباط والجدية والالتزام بالوقت والتعلم، كلها أسباب ثقافية لها دور بارز في تحقيق النهضة الحضارية، كما أنه يشكك كثيرا في العوامل الاقتصادية والسياسية، ففي كتاب (الثقافات وقيم التقدم)، وضع المؤلفان هنتنجتون ولورانس هاريزون مقارنة طريفة بين كوريا الجنوبية وغانا، ففي أوائل الستينات الماضية، كان البلدان متماثلين من حيث مستوى نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، ولكن بعد ثلاثين عاما، أصبحت كوريا الجنوبية عملاقا صناعيا ضمن الدول الصناعية الكبرى بينما لم يحدث في غانا أي تغيير حتى الآن، وبالطبع السبب الثقافة.

على الطرف الآخر، هناك الاقتصاديون الذين لا يؤمنون بالدور الثقافي، فالعامل الحاسم من وجهة نظرهم هو الاقتصادات السليمة وتحقيق برامجها على أرض الواقع بفعالية تامة، وبالتالي تؤتي ثمارها في تحقيق النمو والازدهار للمجتمعات، ويستشهدون بنماذج تاريخية معينة، كالبرامج الاقتصادية التي وضعها لي كوان يو في سنغافورة وقفزت ببلاده نحو تحقيق حضارة حديثة نالت إعجاب العالم، بينما يرد عليهم أصحاب النظرة الثقافية بأن ذلك لم يكن ليتحقق لولا الثقافة المحلية السائدة والتي ساعدت كوان يو في تحقيق طموحاته الاقتصادية، ويعللون ذلك أيضا بأن الاقتصاديين يظلون عاجزين عن تفسير تباين أداء بعض التجمعات الصغيرة داخل المجتمع مثلما هو حال الصينيين داخل المجتمع السنغافوري وأدوارهم الفاعلة في نمو وازدهار سنغافورة !!.

أيضا، هناك فئة أخرى تربط التقدم الحضاري بجودة التعليم، وبالفعل هناك نماذج عالمية استفادت من التعليم في تحقيق النهضة كفنلندا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغفورة، ولكن أصحاب النظرة الثقافية يردون عليهم بأن التعليم إذا لم يصحبه ثقافية مساندة يظل خارج الفائدة المرجوة، يقول الأستاذ البليهي: إن التعليم لا يعطي إلا ما يريده المجتمع، فعلى الرغم من رغبة المجتمعات في التقدم والازدهار إلا أن التعليم في الواقع قد يكرس قيم التخلف، فمن دون تغيير منظومة القيم والثقافة فلا يمكن للمجتمعات أن تتطور، فالعلم ليس معلومات فقط، وإنما هو طريقة تفكير ومنظومة تصورات.

@albakry1814