بندر الزهراني

الإحباط الأكاديمي ولغة التواصل!

الاحد - 15 أغسطس 2021

Sun - 15 Aug 2021

الإحباط كما يعرفه علماء النفس هو مجموعة من المشاعر المؤلمة المتولدة بسبب اليأس وفقدان الأمل في حصول النجاحات وتحقيق الرغبات، وهو عند الأكاديميين كحالة لا يختلف عنه عند غيرهم إلا قليلا، فإحباط الأكاديمي قد يصل مرحلة مرضية متقدمة تستعصي معها كل محاولات العلاج، وقد تكون حالة عرضية أو إرهاصة للتغيير من حالة إلى أخرى.

ولأن بواعث الإحباط الأكاديمي مختلفة كانت نتائج حالاته مختلفة أيضا، فهناك من الأكاديميين من يصاب بالإحباط بسبب تحد فلسفي أو تعارض حاد لبعض الأفكار المتضاربة والأسئلة المستعصية، فيتعكر بذلك مزاجه وتتعطل محركات فكره، وقد يحبط لإخفاقه الشخصي في الوصول لنتيجة علمية معينة كان يتوقعها، وفي جامعاتنا هناك من يصاب بالإحباط بسبب جمود الإدارة الأكاديمية وركود فكرها أو تكرر إخفاقاتها وسطحية إنجازاتها.

الإحباط العائد سببه سوء الإدارة أو فشلها في تحقيق رغبات وتطلعات الأستاذ الجامعي له انعكاسات سلوكية خطيرة، يتعدى أثرها إلى الجهة التعليمية التي يعمل بها، فهو -أعني الأستاذ- إما أن يستسلم للأوضاع القائمة ويصبح ضعيفا ومرهونا للإدارة المتسلطة عليه، تقوده كيفما تشاء وتوجهه حيثما تريد، وإما أن يتجاهل بإرادته كل ما يدور حوله، ويكتفي بعزل نفسه عن محيط عمله، وإما أن يتظاهر بنوع من الحكمة والتعقل فيلتزم الصمت مرة ويجامل مرة، وليس بعد هذا إلا أن يتمرد ويقرر المواجهة مهما كان الثمن، وتظل هذه الأنماط السلوكية قابلة للتغير والتطور.

ذكر لي زميل في إحدى الجامعات العربية أنه كان يحضر اجتماع مجلس الجامعة، وكان رئيس الجامعة والوكلاء وعمداء الكليات حاضرين، فحدث أن تأخر أحد عميدي العمادات المساندة عن الاجتماع، فتساءل رئيس الجامعة: أين فلان؟ قلنا في مكتبه، فأخذ الرئيس الهاتف وفتح السماعة متصلا بالعميد المتأخر، فلما رد العميد انهال عليه الرئيس بكلمات قاسية وتعنيف مقصود، وأخذ يوبخه حتى قلنا ليته سكت، وكان العميد صامتا يستمع، فلما انتهى الرئيس من كلامه انفجر العميد في وجهه، وارتفع صوته حتى لعن الرئيس ولعن اجتماعه والجامعة معه، فضحك الرئيس، وضحكنا معه، ولما وصل العميد إلى قاعة الاجتماع قام إليه الرئيس مستقبلا ومعتذرا، يضمه ويعطيه الماء كي يشرب وتهدأ نفسه، ثم أجلسه بجواره.

ونحن هنا إذ نورد هذه القصة لا نقر اللعن ردا موفقا، وأسلوبا مستخدما، ولا نشجع عليه، فليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، ولكن قد نستخلص منها فائدة مهمة، وهي أن تدني لغة التواصل في البيئة الأكاديمية أو تحولها إلى لغة متسلطة متعجرفة ربما ينتج سلوكا متمردا يصعب احتواؤه والسيطرة عليه.

زميل آخر في جامعة محلية يقول: في بداية الفصل الصيفي اشترطت الجامعة على الأساتذة المكلفين بالتدريس صيفا أن يثبتوا لها أنهم أخذوا اللقاح المضاد لفايروس كورونا، وإلا فإنها سترفع التكليف عنهم، ثم يقول: ولأنني كنت واحدا من أولئك أخبرتهم أن من أصيب بالفايروس يعتبر محصنا متعافيا حتى يحين موعد الجرعة المطلوبة، كما هي تعليمات وزارة الصحة، وكما هو في تطبيق «توكلنا»، فأبوا أن يفهموا، ثم يضيف ويقول: وقبل أيام أوصى مجلس الكلية بحرمان الأستاذ من التدريس وبالتالي ضمنا حرمانه من بدل التعليم الجامعي، وربما الإيقاف عن العمل، مالم يكن قد تلقى جرعتين كاملتين بغض النظر عن حالته في تطبيق «توكلنا»، وأن هذه التوصية هي تعليمات الإدارة العليا على لسان العميد!

دعونا أولا نتساءل منطقيا وإداريا عن وجاهة الطلب في قصة هذا الزميل، ثم بعد ذلك نتحدث عن أسلوب الطلب ولغته، أعتقد -والله أعلم- أنه لا يختلف عاقلان على أن أخذ اللقاح أمر في غاية الأهمية، وأنه لا يعذر أحد بالتخلف عن أخذه، ولكن إذا ما نظرنا للإحصاءات الرسمية فإن ثلثي سكان المملكة قد أخذوا على الأقل جرعة واحدة، ونصف هؤلاء قد أخذ الجرعتين، وهناك من أصيب بالفايروس ثم أخذ اللقاح فأصبح محصنا وأكمل الجرعات، وما دام أن الموظف محصن كما يظهر له في تطبيق «توكلنا» فإنه نظاما يحق له أن يدخل الأماكن العامة ويراجع الدوائر الحكومية، ويمارس عمله بشكل طبيعي، وكان الأولى والأجدر بإدارة هذه الجامعة أن تركز جهودها في نشر الوعي الصحي بين منسوبيها وتبذل ما يمكن بذله في ترغيبهم وتشجيعهم على أخذ اللقاح مرة ومرتين وثلاث.

من أسباب الإحباط وخيبة الأمل عند الأكاديمي أن تتدنى لغة التواصل الرسمي والتخاطب الهرمي الإداري الموجهة له من رئيس الجامعة مرورا بعميد الكلية، ثم تتحول هذه اللغة إلى تهديد مبطن أو مباشر بالحرمان من التدريس، والإيقاف عن العمل، والمنع من دخول الحرم الجامعي، ولا أدري ألا يشعر بالخجل من يتبنى هذه اللغة في التواصل الرسمي! وهل لو كان يتمتع بقليل من الحياء «والاتيكيت» كان ذلك سيمنعه من أن يهدد أستاذا بمرتبة فيلسوف! أهي قوة أم استقواء؟ أم هو عبط واستغباء!

drbmaz@