زهير ياسين آل طه

الإبداع في قياس إبداع الثورة الصناعية الرابعة

الأربعاء - 11 أغسطس 2021

Wed - 11 Aug 2021

انعقد المنتدى السعودي الأول للثورة الصناعية الرابعة في نهاية يوليو2021، وبحضور متحدثين قياديين في المملكة ومن خارجها بما حمله من أفق استراتيجي مهم يواكب رؤية 2030 للمملكة بعد إنشاء المركز الخامس عالميا للثورة الصناعية الرابعة في الرياض بالاتفاق مع المنتدى الاقتصادي العالمي نهاية عام 2019، وهو يعزز موقع المملكة الاستراتيجي المحوري ومساهمتها مع العالم في مواجهة التحديات العالمية التي تعصف بالأرض واستدامتها البيئية، متضمنة المناخ والطاقة والاقتصاد والغذاء والصحة والبيئة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والسيارات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار والعملات الرقمية وإنترنت الأشياء.

العامل المشترك في هذه الاستراتيجية الذي يتغلغل في كل مفاصل الثورة الصناعية الرابعة الرقمية؛ هو الذكاء وإن لم ألحظ ذكره منفصلا في المنتدى والمركز، والذي يستحث ويدفع ويحرك العقل للإبداع إذا تمت تنميته وتغذيته وتوجيهه من أجل خروج أفكار ابتكارية يتم تطبيقها على أرض الواقع، ويعمل على تحديد وتحييد المخاطر التي قد تحدثها مخرجات الثورة الصناعية الرابعة إذا انتهج نهجا توافقيا نقيا مشتركا بين الذكاء الإنساني والاصطناعي بما يسمى الذكاء الهجين الجماعي.

فمن يدخل في هذا المجال الذكي ويؤسس لمنصة؛ فعليه أن يكون مسلحا بأسلحة متنوعة علمية وتقنية مرتبطة مع العالم الذي يؤسس حاليا لمواصفات عالمية للذكاء الاصطناعي في ISO/IEC JTC 1/SC 42 AI والاستعانة بمواصفات UL التي تعقد الكثير من الورش الذكية المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وهي مواصفات إرشادية وتوجيهية لأخلاقيات وسلامة وإدارة المخاطر والأنظمة والكثير من الارتباطات التشغيلية والتصنيعية للذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية إجمالا.

ويفترض على أي منصة يتم تأسيسها للثورة الصناعية الرابعة أن تكون ذكية بقدر ما يتوجب عليها بل أكثر تطورا وديناميكية ذات الاتجاهين لتكون مثالا حيا للحركة الصناعية الذكية ومتطلباتها المستقبلية في الجودة الرابعة «Quality 4.0»، وقادرة على توفير كل ما يلزم للقطاعات بكل تصنيفاتها، ومعززة بخوارزميات وبرمجة تدرس وتحلل وتقيس وتنبه وتنذر وتوجه لأفضل السبل التشغيلية الآمنة والناجحة والابتعاد عن المخاطر، وقد تكون يوما ما في المقدمة لفرض واقعها ومدلولاتها ونماذجها الخارقة على العالم إذا تم الاستثمار المركز العادل في الكوادر الوطنية الذكية النابضة بالإبداع، واستغلال وتوظيف الطاقات الكامنة للخبرات الوطنية الذكية المتواجدة على رأس العمل وغيرهم من الرواد الذين خدموا وأجزلوا العطاء للوطن.

التكامل في العملية التشغيلية لأذرع الثورة الصناعية الرابعة والقطاعات المرتبطة معها ونجاح تنفيذ الاستراتيجيات التي توضع لهذه الأذرع، في حاجة ماسة للقياس، ويبدأ بقياس الإبداع من الطبقات الأولى في الهرم ويصعد للقمة في كل قطاع، فلا معنى أن نملك خوارزميات وبرمجة وتعلم آلة وتعلما عميقا بدون وجود مبدعين أذكياء يبرمجون ويحاكون الآلة ويروضونها لصالح الأخلاقيات التي يدعو لها العالم، لتكون أعمالنا ومخرجاتنا موازية للمواصفات العالمية، بل نكون ضمن الخبراء الذين يؤسسون لتلك المواصفات وليس فقط التابعين المطبقين.

الأبحاث العلمية في القياس للإبداع وما يليه من قياس للابتكار مجال مفتوح وضروري الدخول فيه وتطبيق ما يخرج منه، وتوظيفه وتطويره وتطويعه ليوائم بيئاتنا العملية والتعليمية والاجتماعية، وكم أتمنى أن الحظ توجه جامعاتنا ومراكز أبحاثنا في إعطاء اهتمام أكبر لهذا الجانب وبدعم من وزارة التعليم وما يرتبط بها من تقويم وتطوير للتعليم، وحبذا لو يتم إيجاد مواد خاصة بالإبداع في التعليم العام وتخصصات عليا للإبداع والابتكار وقياسهما في التعليم العالي في المجالات التقنية، وهو ما يشير إليه الباحثون أن الإبداع في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) يشبه إلى حد بعيد الإبداع في الفنون، وتحديدا البحث الذي قام به البروفيسور كروبلي من جامعة جنوب أستراليا عام 2020 بعنوان «أيهما أكثر إبداعا، الفنون أم العلوم؟».

مفهوم قياس الإبداع ليس مفهوما اعتباطيا عابرا، بل هو ذو مغزى استراتيجي يساعد فهمه وتطبيقه لتحقيق إنجازات استراتيجيات الثورة الصناعية الرابعة بأقل الخسائر وأقل الهدر وتقليصا للتجارب السلبية، فاختيار الأفراد وتطويرهم مبني على قياس إبداعهم باستمرار الذي تنظمه بعض الأبحاث والتجارب مثل DAT»» Divergent Association Task، وقياس الإنجازات والمشاريع الذكية يبدأ من طرح الأفكار ودراستها وبعد تنفيذها لتقييمها، وقد يكون تطبيق 14 سمة للإبداع التي يتم تداولها بين البشر تحت مسمى الإبداع المحوسب «Computational Creativity» والتي ظهرت عام 2016 من بحث علمي من جامعة كنت ببريطانيا بداية لفهم الارتباطات الإبداعية لكل سمة مع ما يقابلها في كل مفصل من مفاصل المشروع بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، لتحديد تكامل الإبداع فيه والسعي لتطويره لتحقيق كل السمات إذا لم تتواجد.

التطوير المستمر والخوض في تنمية الذكاء الهجين الجماعي هما اللبنة التي يمكن أن تسير بقياديي الثورة الصناعية الرابعة نحو الثورة الخامسة التي لا تزال تحت المجهر وتحت الخيال العلمي إن صح التعبير، فالحركة التغييرية لا تتوقف والمجتمعات عليها أن تستعد وتتهيأ وتستثمر في الإبداع قبل أن تتأخر فتصبح تابعة وليست صانعة تغيير، فصناعة التغيير هي ديدن العصر الحديث، وهي الهيمنة التي تصنع القوة الاقتصادية لأجل المنافسة والبقاء في القمة.

zuhairaltaha@