مرزوق بن تنباك

عمتكم النخلة

الثلاثاء - 10 أغسطس 2021

Tue - 10 Aug 2021

في الجزيرة العربية هناك متلازمتان الناقة والنخلة، فالناقة للصحراء والرحلة والتنقل، والنخلة للقوت والثمر، وبهما عرف العرب وعرفت الجزيرة العربية، وقد فاضت الثقافة الموروثة بكثير من الأدبيات التي تتحدث عنهما مجتمعتين أو منفردتين. وإذا كانت الجاهلية وآدابها من الشعر والنثر قد قررت قيمة الناقة والنخلة فإن الإسلام زاد فضلهما والحديث عنهما وزاد في إكرامهما، وقد نصت آيات من القرآن على ذلك في مواضع ومعان مختلفة (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)، (والنخل باسقات لها طلع نضيد).

وسنكتفي بهاتين الآيتين من القرآن عن غيرهما في كثير من السنة النبوية والأحاديث التي تنسب للنبي وتقرر فضلهما، ونعود إلى التراث عنهما في الماضي بدون إطالة وعن الحاضر بما تقتضيه المناسبة التي نمر بها اليوم من تجدد الحديث عن النخلة خاصة حيث شكا المزارعون الصعوبة التي تواجه أهل النخل، وهي كساد المحصول وعدم قدرتهم على تصريف ما تجود به مزارعهم حتى أنني رأيت أكثر من واحد يعلن عن تخليه عن ثمر نخله ويطلب من الناس أن يأخذوه مجانا للأكل أو الصدقة أو البيع وينادي على ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي.

والأمر له جانبان الأول الزراعة بشكل عام والنخل بشكل خاص وما يترتب على العمل بهما من مشقة، بالتأكيد أننا لا يمكن أن نهمل الزراعة بكل أنواعها ومنها النخل حتى لو توفرت كل البدائل كالاستيراد وغيره مما يمكن أن يسد الحاجة المحلية والاستهلاك، ولا نضمن البدائل التي تأتي من وراء الحدود لو أوقفنا الزراعة، الأمر الثاني أن العمل بالزراعة عمل ليس يسيرا ولا ميسرا لاسيما مع وجود صوارف جمة عن الزراعة والعمل بها، لكن مع هذا لابد من البحث عن حلول وطنية ووضع استراتيجية طويلة المدى يتوفر فيها الحد الأدنى من استمرار الزراعة والتعود عليها في حدود الحاجة وفي حدود الإمكانات التي يجب توفيرها للمزارعين سواء كانت زراعة النخل أو غيرها مما يحتاجه السوق، وتقليل الاعتماد على نوع واحد من الزراعة كالنخل والتوسع فيه؛ فزراعة النخل تحتاج جهودا كبيرة لا يستطيع القيام بها المزارع وحده وإنما يحتاج فيها إلى اليد العاملة التي لا تتوفر بسهولة ولا سيما في الوقت الحالي، حيث تشح فيه الأيدي العاملة الماهرة في الزراعة ويواجه المزارع الكثير من العناء دون مردود مربح، وزيادة على ذلك ما تستهلكه زراعة النخيل وما تستنزفه من المياه التي أصبحت قيمتها تعادل قيمة الثمر المرجو من النخل.

هذه المشكلات جميعها توجب على المسؤولين عن الزراعة القيام بدراسات اقتصادية موسعة لتحديد النوع الذي تدعو الحاجة إليه والمساحات التي يسمح بها للزراعة من كل الأنواع وليس النخل فحسب، ولفت النظر إلى أن من أهم الصعوبات التي تواجه المزارعين أن مواسم جداد النخل ونضجه تأتي في وقت قصير جدا وهذا هو الذي يسبب الكساد في فترة قصيرة، والحل ليس صعبا ولا مستحيلا إذا قامت الجهات المسؤولة سواء من القطاع الخاص أو العام بتأسيس مصانع في كل منطقة توجد فيها النخيل تستوعب الفائض من غلات التمر في وقت الجداد ثم تقوم بتعليبه وتخزينه ومن ثم تصدير الفائض منه للخارج؛ ليكون المنتج المحلي منافسا في الأسواق العالمية، وقد رأيت قبل إرسال المقال للنشر دعاية لمزرعة نخيل في الهند استخدمت فيها مكينة حديثة في الزراعة والجني والتنظيف والتغليف بشكل مبهر، ومؤسف أننا نحن أهل النخل الذي عرفته الجزيرة منذ الأبد ولا تكون لنا تجربة ناجحة فيه كتجربة الهند الذي لم تعرفه إلا منذ سنوات فتفوقت في زراعته وحلت مشكلاته التي لم نستطع حلها، ذلك مؤسف حقا، لقد توقف العقل عندنا حتى فيما هو من خصوص حياتنا فهل نستطيع التقليد للهند إن لم نستطع الإبداع.

ولكي تحافظوا على وقار عمتكم النخلة وقيمتها وتاريخها القديم معكم، عندما كانت هي وما تنتجه قوتكم الوحيد أو شبه الوحيد فإنه من الواجب عليكم ألا تبتذل النخلة وتقل قيمتها وتفقد شيئا من مكانتها وكرامتها مقابل ما يزاحمها من أنواع شتى مما يحل محلها أو يعوض عنها، لكن الواجب الاهتمام بها بقدر الحاجة إليها وعدم الإسراف فيما لا تدعو الحاجة إليه.

Mtenback@