عبدالحليم البراك

الفلسفة في حياتنا اليومية!

الاثنين - 28 يونيو 2021

Mon - 28 Jun 2021

يعتقد الكثيرون أن الفلسفة شأن فكري أو علمي لا صلة مباشرة له بالحياة، على الأقل لا تأثير لها على الناس بشكل مباشر، وهذا الانطباع ناشئ عن الجهل من جهة، أو عن تعقيداتها وتعقيدات أهلها من جهة أخرى.

ومهما يكن من أمر؛ فما هو تأثير الفلسفة، لن أعبر من إنشائي عن الفلسفة بل سأقتبس ما قاله أحد المستعرضين لتأثير الألماني الشهير الفيلسوف «آرثر شبنهاور» وفلسفته على كل مجالات الفنون قائلا «صعد نجمه مثل تأثيره» على «رتشارد فاقنر» وهو أستاذ الموسيقى في العصر الحديث، وله تأثير عميق على الأدب والفنون وتأثيره على الروائي الروسي الشهير «تولستوي» فهو مصدر إلهام له، وعلماء وفلاسفة مثل «دارون» و«فريدريك نتشه»، وأيضا «ألبرت انشتاين» و«إرفين شرودنغر» و«لودفيغ فتغنشتاين» وبرغم أن «شبنهاور» جاء في وقت هيجل الذي طغى حضوره على كل فلاسفة عصره، وأيضا برغم أن «شبنهاور» فيلسوف متشائم حتى النخاع، إلا أنه ملهم وأعاد تصور العالم وسبق العلم في تفسير الطاقة عندما أشار إليها بأنها «إرادة» ثم تطبيق، كـ«تمثلا» في كتابه الشهير الموسوم بنفس العبارات السابقة، ويقول «شبنهاور» واصفا تأثير الموسيقى قائلا «الموسيقى تقف بمفردها ومعزل عن باقي الفنون الأخرى، فيه لا نعترف بنسخ أو تكرار أي فكرة عن الوجود في العالم، ومع ذلك فهي فن نبيل لغاية في تأثيرها على الطبيعة الباطنية للإنسان، وهي قوية جدا ومفهومة تماما وعميقة في وعيها باعتبارها لغة عالمية والتي تفوق حتى تلك الخاصة بالإرادة والوجود نفسه».

هذي هي علاقة الموسيقى بالفلسفة، وهو وصف خطير للغاية يبين فرادتها، ثم يعلق صاحب الفيديو قائلا بأن «(شبنهاور) قدم قبل هوليود بعشرات السنين علاقة خطيرة للغاية للموسيقى التصويرية» في الأفلام مع أحداث الأفلام نفسها، حتى إن بعض الأحداث تكاد تقف أنفاسك مع ما تصنعه الموسيقى التصويرية المصاحبة للحدث، وتكتشف لاحقا أن الحدث يفقد نصف قوته أو ثلاثة أرباعها بلا موسيقى تصويرية، ومتى تكتشف ذلك؟ في المسلسلات الهابطة التي تصاحبها موسيقى تصويرية غير مناسبة فتشعر بأنها إزعاج، وإضافة سيئة للحدث، والدليل أنها بدلا من أن تزيد إثارتك للحدث، تفقدك قيمة الحدث نفسه.

وخذ أيضا على سبيل المثال، هذا أحد رواد مدرسة فرانكفورت النقدية «تيودور أدورنو» الذي تحدث عن الإنسان ذي البعد الواحد، وهو يمحور جزءا كبيرا من فلسفته حول الجمال والأدب والرسم! والقائمة تطول حول تأثير الفلسفة على الحياة اليومية البسيطة، إذ أضافت مدرسة فرانكفورت على نظريتها النقدية البعد الاجتماعي مع البعد النظري لتقترب من حياة الإنسان كما في الإنسان «ذي البعد الواحد»، أو «التشيؤ».

ويمكن للفلسفة في وقتنا الحاضر، وفي مجتمعاتنا العربية أن تعود للوراء قليلا، فتأخذ من فلسفة أفلاطون وربما أرسطو وسقراط أيضا، وتمر «بتوما الإكويني» وتقارن بين مشروع «كانط» النقدي ومدارس فيينا وفرانكفورت وشيكاغو لتطور ما يناسبها وتنهض به ومعه إلى ما يمكن أن يغير حياة الناس البسيطة حتى تصل للتغيير الإيجابي الكامل!

الفلسفة ليست شرا محضا وليست ضد أي اتجاه إذا ما أتقنها أصحابها، إذ علمت أن أفضل من رد على أرسطو هو «ابن تيمية» وأن معظم الفلاسفة الغربيين تقاطعوا مع علماء العرب والمسلمين في نظرياتهم، وأن العبرة بـ «كيف تأخذ بها لا أن تأخذ بها فحسب»!.

Halemalbaarrak@