زيد الفضيل

من أنا؟ من هو؟

السبت - 26 يونيو 2021

Sat - 26 Jun 2021

كان ولا يزال معنى السؤالين ودلالتهما من أهم ما يمكن أن يشغل بال وتفكير أحدنا لو كان ممن يتفكرون ويتدبرون، وهما أيضا عمود أي خطاب سياسي، اجتماعي، إعلامي يتم توجيهه للآخر، فمعرفة الأنا في هذا المحفل واجبة، وإدراك مضامين الآخر أوجب، ليتم توجيه الخطاب المناسب أولا، ولمعرفة أفضل السبل لإيصال ما نريده ثانيا.

ذلك كان مدخلي في ورشة العمل التي تم تنظيمها من قبل إدارة الإذاعات الدولية بجدة التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية والتي يرأسها حاليا الإعلامي القدير رويشد الصحفي المكتنز بخبرة إذاعية مهنية عالية. وكم كانت سعادتي بالغة حال دعوتي جراء استشعاري لوهلة أن صوتا قد وصل حين كتبت على هذه الصفحة في الذكرى السبعين لتأسيس الإذاعات الدولية مقالا وسمته بـ(سبعون عاما من البقاء يا معالي الوزير)؛ وفيه أشرت إلى الدور الكبير الذي تقوم به كثير من الإذاعات الدولية الموجهة من أجل أن توصل رسالتها للآخر بكل سلاسة ويسر مثل: إذاعة لندن، وإذاعة صوت أمريكا، وإذاعة مونت كارلو، وإذاعة صوت إسرائيل، وإذاعة صوت ألمانيا «إذاعة برلين»، والإذاعة العربية من طهران، وراديو الفاتكيان، وراديو موسكو، وراديو سوا، وغيرها من القنوات المتلفزة الموجهة باللغة العربية.

وتساءلت في وقته بقولي: هل حققت إذاعاتنا الموجهة المطلوب منها؟ ثم أكملت قائلا: «بأن من سبق في إدارة الإذاعات الدولية قد بذلوا جهدهم بما ملكوه من قدرة على البقاء، لكنهم لم يمكنوا من العمل بكفاءة عالية، ولذلك لم يصل صوتنا كما يجب إلى العديد من البلدان الإسلامية، فالقضية ليست صوتا وحسب، وإنما كفاءة تستقطب، وبرامج تقدم، وأدوار يتم إبرازها، وكل ذلك يتطلب اهتماما وميزانية ووعيا بالدور المنوط بوطننا، وهو ما تفتقده الإذاعات الدولية حاليا، التي لا تحظى بما يتوجب من دعم وميزانية لتقوم بدورها كما يجب، ولتواجه ما يقابلها من إذاعات موجهة ناطقة باللغة العربية لاسيما من إيران وتركيا».

واختتمت مقالي المذكور بنداء إلى معالي الوزير قائلا: «يا معالي الوزير، لا بد أن يكون لدينا إدراك بقيمة ما نملك، فليس صحيحا تدمير موجوداتنا لكون أحدهم تصور خطأ أننا لم نعد بحاجة لها، وهو ما يحدث حاليا، فمنصات إعلامنا الرئيسة يتم تدميرها دون وعي وإدراك للمستقبل، فقناة الثقافية والاقتصادية وأجيال تم إلغاؤها بجرة قلم من بعد عقد من التأسيس، وصحفنا الوطنية يتم الاحتفاء بانهيارها ولا حراك بحجة أن ذلك من سمت العصر، والأعجب أنها تنهار في مقابل الركون لمنصة مهزوزة، مجهولة الهوية، اسمها «تويتر»، وإذاعة جدة يتم مسخ هويتها دون وعي بتاريخها وتجارب رجالها المؤسسين، لتواكب الإذاعات التجارية الخاصة، ولعمري كيف سيكون المآل مستقبلا؟ والإذاعات الدولية التي تمثل خطا دفاعيا مهما تعيش مواتا سريريا، في الوقت الذي يجب أن تكون حاضرة في الميدان بكل مهارة وتدريب».

ذلك ما سبق، وأرجو أن يكون عهدا قد مضى لا سيما مع الإذاعات الدولية، على أني اليوم أحمد الله أن صوتا قد سمع، وأن تدريبا متخصصا قد ابتدأ لكل الإذاعيين السعوديين المنتمين اليوم لمختلف الإذاعات الدولية التي يزيد عددها على اثنتي عشرة إذاعة ومنها باللغة الفارسية والأردو والفرنسي والسواحلي والصومالي والإندونيسي وأضيف إليها التركي والعبري والروسي والياباني وغيرها.

في حديثي إليهم أحببت أن أنطلق من مضمون السؤالين السالفين، فمن غير إدراك كنههما واستحضار دلالتهما لن يكون لأي خطاب نوجهه القيمة المطلوبة، وأشرت بوضوح إلى أن وظيفة الإعلامي الرئيسة ليس الحديث فقط، وإنما الاهتمام بمختلف السبل التي تجعل من حديثه مقبولا، وأن يضع في باله ابتداء العمل على فك الحظر واختراق كل الحجب التي تحد من وصول رسالته إلى مستمعه، إذ لا فائدة من حديث إلى آخر قد أغلق عقله وقلبه أمامك، أو إلى آخر لا يستوعب ما تقول، أو إلى آخر قد استفزه بعض كلام منك دون أن تدري لكونك جاهلا بالسؤال الرديف (من هو؟).

قيمة الإعلامي بوجه عام تكمن في طبيعة ما يقدمه من محتوى، ويرتقي محتواه برقي وعيه وزيادة إدراكه، ولا يتأتى ذلك إلا بأن يمتلئ وجدانه باستيعاب حقيقة ذاته دون شطط أو غرور، وأن يعمد إلى استيعاب الآخر بكل لطف وهدوء، ويتحبب إليه بما يقربه منه، حتى إذا تحقق من ذلك ضمن بأن ما يقوله سيصل، ورحم الله الإمام الشافعي وهو القائل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

zash113@