زهير ياسين آل طه

الرسم التخطيطي الثلاثي لتنمية البحث والتطوير والابتكار

الأربعاء - 16 يونيو 2021

Wed - 16 Jun 2021

الابتكار المقتصد «Frugal Innovation» يعتبر من المفاهيم والممارسات الاقتصادية العالمية للابتكار التي تتخذه في المجمل دول العالم الثالث ويحمل معنى آخر هندسيا في الاقتصاد والتوفير «Frugal Engineering»، وأصبح ذا أهمية كبرى للحكماء في ظل المتغيرات والأوضاع الاقتصادية الصعبة والركود الذي يواجهه العالم بين فترة وأخرى، وأشده ما تعرض له الكون من جائحة مريرة لوباء عالمي لفيروس كورونا «كوفيد-19» المستجد والمتحور الذي أربك الحركة الاقتصادية للكثير بل معظم دول العالم، وأحدث شروخا في المجتمعات المتماسكة حتى أصابها بالاكتئاب والذبول وبالتفكك والشلل.

الابتكار المقتصد هو طريق منقذ كخط طوارئ لمن يسلكه ومن يشجع عليه لتنمية الذكاء والإبداع للبحث والتطوير للابتكار، من أجل تخطي الكثير من الصعوبات ومنها التي أحدثتها الجائحة وعطلت الكثير من الحركة الاقتصادية والعلمية والتعليمية، فهو يعني مطلب الكثير من القليل «Less for More» للدول الفقيرة والمتضررة بعكس «الكثير من الكثير» الذي تنهجه الدول الغنية القادرة على الاستثمار في البحث والتطوير للابتكار، وبات ضرورة ملحة لإشراك المجتمع في صياغته وقيادته وتنميته وتطويره، لأن الابتكار المجتمعي الذي بدأ يخرج للسطح وبقوة؛ هو أداة راسخة وصلبة ومحركة ودافعة للنمو والاقتصاد المعرفي للابتكار الهجين الشمولي إن صح الوصف، وهو جزء لا يتجزأ من أي رؤية استراتيجية مستقبلية وحالية لأي دولة في العالم، بل الكثير من دول العالم الصناعية الكبرى قد وضعته من أساسيات النهضة والاستثمار والدعم في موازناتها وميزانياتها.

الابتكار الشمولي قد يحتاج إلى نموذجين منفصلين ومتحدين في محصلة ابتكارية هرمية، أي بمعنى «القياس للأثر الابتكاري» ترسمهما لاحقا المحصلة النهائية في الاقتصاد المعرفي، فالرسم التخطيطي الثلاثي «Ternary Diagram» ومحاكاته علميا وعمليا وقياسيا للنموذجين قد يكون هو المخرج الحالي لتتبع قياس الأثر الابتكاري.فالرسم التخطيطي الثلاثي الأضلاع في الابتكار المجتمعي كأحد النموذجين في رأيي يعنون تنمية الذكاء والإبداع والابتكار، والآخر للابتكار المقتصد المتوازن حسب الحاجة والاستراتيجية الاستثمارية يعنون تنمية البحث والتطوير والابتكار، فالابتكار وهو التطبيق الفعلي للأفكار المبدعة والمطورة؛ هو القاسم المشترك الذي نحتاج أن نرسم موقعه في المثلثين بما يتناسب والترابط التحصيلي بينه وبين القيم في الأضلاع الأخرى من ناحية النسب والتناسب والكفاءة والترشيد والتوفير وسرعة خروج النتائج التي يحكمها التطوير.

والأصعب في العملية القياسية خاصة في المحصلة النهائية الابتكارية الهرمية ضمن الكثير من الصعوبات في القياس من نواح كثيرة باختلاف الرتب للابتكار واختلاف البيئات واختلاف تحديد المؤشرات المرتبطة مع المقاييس؛ يكمن في القدرة على تقييم التأثير غير المباشر للابتكار ودمجه بعد ترجمته مع التأثير المباشر للابتكار، وهذا ما نقوم به كأحد أعضاء فريق الخبراء في تأسيس مواصفة قياس تشغيل الابتكار في الأيزو العالمية ISO 56008 ضمن عائلة ISO/TC 279 IM باسم المملكة العربية السعودية تحت مظلة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة SASO، والتي لا تزال هذه المواصفة الفريدة في طور الفحص والتدقيق والمراجعة بعد مرحلة ابتدائية من صياغة المواصفة الأولى من نوعها عالميا، فلم يخرج قط قياس للابتكار من قبل ولم تكن ضمن عائلة إدارة الابتكار البريطانية الأوروبية BSI - PD CEN/TS 16555-2:2014 التي سبقت الأيزو في التأسيس.

فمن لا يتتبع ما يحدث من تطورات وأبحاث علمية ومواصفات حديثة تعنى بالابتكار وبإدارته وتنظيمه، فسيكون في معزل عن التطوير المستمر وسيكون متأخرا في احتوائه لمتطلبات التغيير الذي تشهده الحقبة الجديدة من عصر الثورة الصناعية الرابعة الرقمية، عصر الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وخوارزمياته التي ستدفع بالقياس للأثر الابتكاري نحو الدقة في المتابعة والربط والتحليل من خلال صياغة المعادلات وبرمجتها وترجمتها لنتائج فورية تساعد على التتبع والمراقبة نحو التصحيح والتطوير من خلال منصات مبتكرة ذكية، وقد أشرت في مقال سابق عن ورقة بحث علمية تتحدث عن أهمية ارتباط الذكاء الاصطناعي بإدارة الابتكار للباحث «نعومي هيفنر» وفريقه عام 2021 تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي وإدارة الابتكار».

@zuhairaltaha