زيد الفضيل

مستقبل مصر والرؤية السعودية

السبت - 12 يونيو 2021

Sat - 12 Jun 2021

في الوقت الذي تنهض فيه المملكة العربية السعودية وتجدد حيويتها وفق أهداف ومقررات رؤية 2030 المستقبلية، تعيش جمهورية مصر بعمومها والقاهرة على وجه الخصوص نهضة حيوية جديدة لم يسبق لها مثيل منذ عقود، حيث تشهد العاصمة كثيرا من الإنشاءات المعمارية وبناء الجسور والأنفاق في مختلف الطرق والميادين، والتي كان لها دور كبير في تحرير حركة السير بشكل ملفت، كما خففت من حدة الاختناقات المرورية التي تمثل نقطة سلبية في تقييم أي مدينة عالمية.

على أن السؤال المهم من وجهة نظري هو: أين يكمن مستقبل مصر في العشرية القادمة؟ والسؤال نفسه يمكن أن ينطبق على المملكة ومختلف أوطاننا العربية؛ هل المستقبل مرتبط بالتقدم العمراني وتحرير حركة النقل وفك الاختناقات المرورية وحسب؟ أم هو مرهون بالإنسان من قبل ومن بعد؟

في قناعتي وحتما في إيمان كثير من الواعين أن الإنسان هو حجر الزاوية في كل تقدم ترجوه الأمم وتسعى إليه، ولن يتأتى ذلك سوى باتخاذ عديد من التدابير والإجراءات التي من شأنها أن ترفع من قدرات هذا الإنسان وتزيد من وعيه، إذ هو المستفيد والمحرك والصانع والمستقبل لكل ما تنتجه المعرفة من أفكار، وما تصنعه الآلة من تقنيات متنوعة. لذلك كان الإنسان ولا يزال بوصفه مواطنا هو محور اهتمام كل الدول المتقدمة بمعيار اليوم ثقافيا وحضاريا.

أمام هذا المعطى أصبحت دائم التفكير والتأمل في كثير من سمات إنساننا العربي السلوكية والثقافية، متسائلا عن السبب في بلوغنا كمواطنين عرب حالة كبيرة من الانحدار الثقافي والسلوكي الحضاري، فهل الإشكال فينا أم في الظروف المادية الصعبة التي أكبت الناس على مناخيرهم، وجعلتهم يلهثون صباح مساء من أجل توفير لقمة عابرة تشبع جوعهم وتسد رمقهم؟

حتما هناك خلل، وحتما هناك مفتاح لتصحيح ذلك الخلل، ولم تكن المادة هي المعضلة الرئيسة في تدني السلوك الحضاري والوعي الثقافي لأي مجتمع، والواقع يشهد بذلك مع تأملنا لبعض الأقطار الغنية بثرواتها، لكنها فقيرة بمكنونها المعرفي المشكل لما نرجوه من سلوك حضاري ووعي ثقافي متميز.

لهذا كان اهتمام رؤية 2030 السعودية بتطوير القطاع الثقافي على مختلف فروعه، عبر تشكيل الهيئات والقطاعات الثقافية المنوعة التي نرجو أن تنجح في مهمتها مع بلوغ الرؤية مداها الزمني المأمول، وهو ما يجب أن تهتم به مصر لبناء مستقبلها المنظور.

في هذا السياق أشير إلى أني كلما مررت بشارع ورأيت بسطات الكتب وبيع المجلات، المنصوبة على قارعة الطريق، استشعرت فرحا عارما، وثبت الأمل في داخلي بأن الفرج قريب، وكم أخشى أن تختفي تلك البسطات في يوم من الأيام، حينها سينطفئ النور البسيط في داخلي، ويخبو الأمل في قلبي، وسيتحقق اكتمال إدراكي لمعنى ودلالة مقولة سعد زغلول باشا يرحمه الله لزوجته «ما فيش فايدة يا صفية»، ذلك أن وجود الكتاب وشخوصه بإباء أمام النظر سيكون محفزا لأن تستعيد النفس جذوتها، وتدرك الذات قيمتها التاريخية، فتعمد إلى مسح الغبار المتراكم وتنظيف الصدأ لتعود كما كانت في سابق عهدها قوية بوعيها، جميلة بسلوكها الحضاري.

وكم رجوت أن يقوم أحد ملاك تلك البسط المنصوبة على قارعة الطريق بوضع عدد محدود من الكراسي وتعليق لوحة تفيد بأن القراءة متاحة دون مقابل، ليكون ذلك محفزا لأحدهم لأن يستريح في رحابه ويمتع ناظريه بقراءة ما قرب منه، ويعيد نشاطه بشرب كوب من القهوة بسعر مناسب، وحتما سيقوم أحدهم باستئناس كتاب محدد فيشتريه فتزيد منفعة البائع والمشتري، وتلك هي نواة ما نسميه بالمقهى الثقافي.

بالقراءة المفيدة، وبالموسيقى الطربية الراقية وليس أغاني المهرجانات، نبدأ في صناعة مستقبل واعد لمصر ولباقي أمتنا العربية، وأؤمن أن ذلك لن يكون سوى بقرار سياسي وإرادة وتخطيط، وأؤمن أيضا بأن الإعلام جملة، والمسموع منه بخاصة، له دور في إعادة تشكيل مساحة الوعي في أذهان مستمعيه، لكونه الرافعة الحقيقية لأي إرادة يتم التخطيط لتنفيذها.

وكم سألت نفسي مع كثرة استخدام منبه السيارات في شوارع القاهرة حتى بات استخدامه بشكل لا إرادي ودون حاجة نهائيا، هل سيتغير سلوك السائق لو أعيد تشكيل ذائقته باستماعه لأغان طربية راقية مع ابتعاده عن ضجيج أغاني المهرجانات؟ استفهام أرجو أن يتصدى للإجابة عليه أحد الدارسين ببحث استقصائي علمي.

أختم بالإشادة بمايسترو الموسيقى العربية سليم سحاب وابنته الفنانة الواعدة سارة، اللذين خففا من صخب الضجيج في أذني ومن أرافقهم بعزف بعض مقطوعات شرقية خالدة، تنتمي بروحها ومكنون هويتها لهرم الموسيقى الشرقية الأوحد دار الأوبرا المصرية العريقة.

zash113@