أميمة الطائي

العشوائية سيدة المشهد الحضري في ظل غياب التخطيط العمراني السليم

الاثنين - 07 يونيو 2021

Mon - 07 Jun 2021

قد يبدو الحديث عن التخطيط العمراني قديما بالنسبة للحديث المعاصر عن جائحة كورونا وإعداد خطط طموحة للتحول إلى المدن الذكية التي أثبتت كفاءتها في التعامل مع الجائحة بشكل أكبر مقارنة بالمدن التقليدية التي لم تشهد تطورا كبيرا في استخدام التكنولوجيا المتطورة في إدارة المرافق الحيوية وأنظمة السلامة والأمان.

والمدن الذكية تعتبر أحد الأفكار الحديثة في مجال التخطيط العمراني الذي يهدف إلى تهيئة المناخ المناسب الذي يسمح للمجتمعات بإيجاد الوسائل الضرورية لتحقيق إطار معيشي مناسب لسكانها، حيث تتوافر فيه أسباب الراحة والرفاهية وبيئة آمنة أقل تلوثا، فكل هذه مؤشرات تدل على الصفات الرئيسة للمدن الذكية.

يتضمن التخطيط العمراني وضع خطة تنموية لتحقيق أهداف المجتمع في ميدان وظيفي معين لمنطقة جغرافية ما في مدى زمني محدد. فمهمة التخطيط العمراني ليست مهمة شخص أو جهة معينة لذلك يصعب تصنيفه ضمن مصنف واحد لتعدد الاختصاصات المتعلقة به مثل الإدارة والسياسة والقانون الاقتصاد وعلم الهندسة والبيئة والاجتماع وغيرها.

عندما يتم وضع خطة عمرانية معينة سواء على مستوى التخطيط القومي (National Planning) الذي يكون على مستوى الدولة، ويتضمن إطارا متكاملا للتنمية على مستوى الدولة أو التخطيط الإقليمي (Regional planning) الذي يكون همزة الوصل بين التخطيط القومي الشامل والتخطيط المحلي (أو التخطيط العمراني (Urban planning) الذي يكون على مستوى الوحدات العمرانية المدن والأرياف (فلابد من تقييم الحياة العمرانية وإيجاد حلول للمشاكل التي أثرت على جوة الحياة الحضرية، حيث إن الهدف الأهم في التخطيط العمراني هو توفير المحيط الملائم للسكان الذين يمارسون فيه نشاطاتهم مع الأخذ بنظر الاعتبار كافة المراجع الثقافية والتاريخية والإنسانية التي تعطي للمدينة هويتها وللمجتمع الحضاري أبعاده الحقيقية من خلال إعادة الاعتبار للسكان.

تتعرض المدن في الوقت الراهن إلى نمو عمراني غير مسبق التخطيط نتيجة عدم الإدراك والوعي لدى فئة من المجتمع عملت على حل مشكلاتها الإسكانية بمفردها من خلال البناء العشوائي وبسبب عدم توفر مخطط عام وعدم تطبيق قانوني التخطيط والبناء الذي أسهم كثيرا في نمو الظاهرة وانتشارها في أغلب مدن المنطقة العربية وقد نتج عن هذا ظهور بيئة عمرانية غير مقبولة أثرت على النسيج الحضري المعماري للمدينة وعلى جودة الحياة الحضرية أيضا.

والأخطر من هذا كله هو السكن العشوائي (الأحياء العشوائية) التي أضافت نسيجا عمرانيا مشوها إلى الكتلة العمرانية الأساسية للمدينة وبذلك فقدت المدينة هويتها التاريخية فتحولت من مدينة تاريخية إلى مدينة عشوائية.

وفي هذا الإطار لابد من توضيح الفارق بين المدينة التاريخية والعشوائية، فالمدينة التاريخية هي المخططة وفق نسق مناسب لنمط الحياة في حقبة زمنية سابقة.

أما المناطق العشوائية في المدن فهي مساكن مبنية بشكل غير قانوني، وعلى نحو غير مخطط له وغير متسق مع القوانين والأطر التنظيمية السائدة.

كل هذا يضر بالمجتمع أشد الضرر ويزيد من الفوارق الطبقية ويفقد المدينة هويتها التاريخية والثقافية.

هنالك دعوة للتفكير في كيفية تحقيق المواءمة ما بين النمو السكاني والتخطيط العمراني على أن يسبق التخطيط النمو وليس العكس، وذلك من أجل (مدينة أفضل لحياة أفضل) وهو العنوان العريض لليوم العالمي للمدن الذي اختارته الأمم المتحدة، بينما تسلط الضوء بشكل خاص على موضوع (تغيير العالم: ابتكارات وحياة أفضل للأجيال القادمة).

هذا ما دفع بعض الدول إلى إعادة النظر في سياساتها المتبعة وتحديد سياسات عمرانية جديدة ملائمة عمرانيا لغرض التطوير والتحسين بالإضافة الى تطبيق معايير جودة الحياة وتطبيقها على السياسية العمرانية المختارة.

لم يعد بوسع أي منا أن ننكر خطورة التحديات التي تواجه مدننا، لذلك لابد من الوعي الكامل بأهمية التخطيط العمراني في حياة مدننا الذي يحتم علينا توحيد الجهود من أجل مواجهة هذا الوضع المستعجل ولا سيما في مجال مكافحة العشوائيات التي لا يهدد مستقبل مجتمعاتنا فحسب، بل يتيح أيضا فرصة لتغيير طريقة عيشنا، فالتخطيط العمراني السليم هو أولى الخطوات التي يجب أن نتخذها في معالجة المشكلات والتصدي للوضع وحماية مدننا من التكدس العمراني والسكاني والوقوف في وجه النمو السكاني ويعطيها آفاقا أرحب للتوسع في مساكنها وأسواقها وطرقاتها.

أنا مقتنعة تماما بأن التخطيط العمراني السليم يجعل المستقبل ممكنا للمواطنين ولا يبنى لفائدتهم فحسب، بل تتحقق إمكانيته ويبنى بإشراكهم أيضا. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعد المشاريع التي من شأنها أن تجمعنا، وتعزز تنوعنا، وتبني الجسور بين المجتمعات لكي تكون مدننا بالصورة التي تليق بالحياة العصرية وهذا ما نسعى لتحقيقه من خلال التأكيد على أهمية التخطيط العمراني السليم من أجل إقامة نموذج للمدينة محوره الإنسان يهدف إلى إعادة إضفاء الطابع الإنساني على المدن في مواجهة تحديات النمو السكاني والتوسع العشوائي للمدن وتحقيق نموذج المدينة التي نحلم به والتي تضاهي المدن العالمية في مساكنها ومرافقها وخدماتها.