طلال الشريف

مشروعنا الحلم لإصلاح وتطوير التعليم العام

الاثنين - 31 مايو 2021

Mon - 31 May 2021

بكل شجاعة ومسؤولية أعلنت وزارة التعليم عن مشروع إصلاح وتطوير نظامنا التعليمي العام بعد نجاحاتها الكبيرة وتميزها في تخطي أزمة كورونا واستمرار العملية التعليمية مع أقل أنواع الهدر التعليمي، ليخرج لنا المشروع الحلم لنقل تعليمنا العام إلى مصاف النظم التعليمية المتقدمة بعد قيام الوزارة بدراسات مستفيضة ومقارنات مرجعية وبمشاركة شرائح متنوعة من التربويين في الميدان التربوي وفي الجامعات.

ولا يختلف اثنان على أن نظامنا التعليمي بكل صراحة وشفافية هرم وتراجع خلال العقود الأخيرة على وجه الخصوص، ومؤشرات هرمه كثيرة أهمها: ضعف مخرجات التعليم العام من حيث امتلاكها للمحتوى المعرفي والمهاري المطلوب للقبول في الجامعات ولجوء الجامعات إلى استحداث السنة التحضيرية لمعالجة النقص المعرفي والمهاري لطلاب التعليم العام وزيادة الأعباء على الجامعات فضلا عن عدم كفاءة كثير من الطلاب المقبولين في الجامعات وتخرجهم منها بمعدلات متواضعة لا تخدمهم في القبول بسوق العمل والحصول على الفرص الوظيفية المتوفرة أو تعثرهم دراسيا وتسربهم وعدم قدرتهم على مواصلة تعليمهم الجامعي أو حتى قدرتهم على استكمال دراساتهم العليا.

ومن مؤشرات ضعف نظامنا التعليمي ما كشفته نتائج الاختبارات الدولية منذ مشاركتنا فيها (TIMSS) في مادة العلوم ونتائج اختبارات (PISA) عن تدنى نتائج (11) ألف طالب وطالبة يمثلون مناطق المملكة مقارنة بنتائج طلاب أكثر من (60) دولة تشارك في تلك الاختبارات التي تعدها منظمة(IEA) للوقوف على مستويات طلاب الصفين الرابع والثامن في المفاهيم والمواقف التي تعلموها في مادتي العلوم والرياضيات، حيث جاءت نتائج تلك الاختبارات صادمة وتصنف على أنها في المربع الأخير(LOW) ودون المتوسط الدولي بفارق كبير.

ومن المؤشرات كذلك ارتفاع معدلات البطالة وصعوبة الحصول على فرص وظيفية لخريجي الجامعات في سوق العمل رغم وجود الملايين من العمالة الوافدة، واستحالة حصول خريجي الثانويات العامة على فرص وظيفية في سوق العمل بسبب طبيعة التعليم الثانوي ومساراته التقليدية المتواضعة وضعف التأهيل المهني في التعليم الثانوي المساعد للخريجين على الدخول في منافسة على الفرص الوظيفية في سوق العمل.

ومن المؤشرات الهدر التعليمي والفاقد الزمني الكبير أثناء رحلة الطالب التعليمية، فعدد (154) يوما دراسيا فعليا سنويا من عدد أيام السنة الهجرية البالغ (354) يوما هو في الحقيقة من أقل المعدلات العالمية في التعليم فضلا عن ما يصاحبه من الأسابيع الميتة في نهاية كل فصل دراسي ما يشكل خسارة فادحة في تطوير وتعليم وتأهيل الموارد البشرية الوطنية واستثمار الوقت بالشكل المطلوب وفي إطار المعدلات العالمية المقبولة.

وأخطر تلك المؤشرات اختراق نظامنا التعليمي من قبل بعض التيارات الدينية المتطرفة خلال حقبة من الزمن وسيطرتها على التعليم عموما وتوجيهه وفق رؤيتها الخاصة وبالذات المناهج والأنشطة اللاصفية من حيث تصميمها وبنائها وحتى تنفيذها وتقويمها وشيوع المنهج الخفي في بيئاتنا التعليمية ومناشطنا الوطنية الترفيهية.

لقد تأخرنا كثيراً في مشروع إصلاح وتطوير نظامنا التعليمي، ولأن نأتي ونستدرك واقعه المؤلم ونلحق بالنظم التعليمية المتقدمة ونحقق غاياتنا الوطنية ومستهدفات رؤيتنا في 2030 خيرا من ألا نأتي وألا نبقى تحت وطأة نظام تعليمي فاقد لكثير من قيمته التعليمية والتربوية ولهويته المستقلة ورؤيته الواضحة.

على ضوء المعطيات السابقة وأهمية ودور التعليم الرئيس في النهوض بأي أمة والمشكلات التي يعاني منها نظامنا التعليمي وتوجهاتنا الوطنية التي رسمتها رؤية 2030 لم يعد أمامنا سوى إحداث التغيير الجذري والتحول النوعي في منظومة التعليم العام على وجه الخصوص باعتباره القاعدة الأساسية للتعليم التي يتوقف عليها نجاح منظومة التعليم العالي وتلبية احتياجات التنمية الوطنية، وهو ما قامت به وزارة التعليم بحكم مسؤوليتها الوطنية بإعلانها مشروع الإصلاح الشامل للتعليم والذي بدأ مبكرا بالعمل على مشروع تطوير كليات التربية في الجامعات السعودية منذ فترة ليست بالقصيرة من خلال إيقاف القبول فيها كمرحلة أولى وإعادة هيكلتها وبرامجها على النظامين التكاملي لدرجة البكالوريوس في بعض التخصصات التربوية والتتابعي على درجة الماجستير المهني للبعض الآخر من التخصصات بما يخدم احتياجات كل مرحلة دراسية ويحقق الغايات النهائية لتطوير التعليم العام، بالإضافة إلى البرامج التدريبية الداخلية والخارجية لتطوير أداء أكبر قدر ممكن من المعلمين في الميدان التربوي. ثم العمل على تطوير المناهج القائمة وتحديثها بالمستجدات العلمية في مجالات المعرفة المختلفة وتنقيتها مما يشوبها من بعض المعارف المشوهة، واستحداث مناهج ومقررات جديدة تتناسب مع الثورة الرقمية ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة ومهارات القرن الحادي والعشرين، وإعادة بناء الخطط الدراسية لمختلف المراحل الدراسية بما يساعد على تقليل الفجوة بين المرحلة التعليمية للطالب والفاقد التعليمي منها بزيادة عدد الأيام الدراسية الفعلية بحدود ثلاثين يوما تقريبا، حيث كانت سابقا (154) يوما ضمن أقل المعدلات العالمية لتصبح حاليا (183) يوما دراسيا ضمن متوسط المعدلات العالمية، مع التوجه نحو التركيز على الجوانب التطبيقية والمهارية وخاصة في المرحلة الثانوية من خلال المسارات المتنوعة بعد الصف الأول الثانوي.

ولو نظرنا بصراحة للزيادة الفعلية في عدد أيام الدراسة وقورنت ببعض الدول المتقدمة حضاريا لوجدناها مقبولة إن لم تكن قليلة، ولو تم قياسها بعدد أيام السنة الهجرية التي تبلغ (354) يوما تقريبا لوجدنا مدة الدراسة الفعلية في حدود ستة أشهر تقريبا ومدة الإجازات بنفس أشهر الدراسة على فترات متقطعة قصيرة وطويلة.

وما يجب أن نأخذه في الاعتبار أن هذا المشروع الوطني كغيره من المشاريع الوطنية سيواجه بعض التحديات وبعض المقاومة ممن لا يستوعبون ضرورة وأهمية التغيير بسرعة ولكل منهما سياسات وطرق وإجراءات تساعد على تجاوز تلك التحديات ومعالجة مقاومة التغيير بالتحفيز والإقناع والاستثارة وهو ما أتوقع تضمينه في الخطط التشغيلية للوزارة وخطط إدارات التعليم والمدارس.

ولذا وجب علينا كمعلمين وتربويين وطلاب وأولياء أمور النظر لهذا المشروع بإيجابية وبنظرة شمولية والتفاعل معه والانخراط في ركبه بما ينعكس على أبنائنا ومستوى تعليمهم وتطلعاتنا نحو مستقبل تعليمي أفضل لأجيالنا، والإيمان التام بأن الإصلاح والتطوير عملية ضرورية في ضوء المتغيرات المعاصرة المتجددة، وبأن المشاريع التربوية التطويرية تتسم بالتعقيد وعدم ضمان النجاح التام لها بحكم العوامل المؤثرة والمتداخلة في العملية التعليمية، ويبقى معيار الحكم عليها بتحقيقها لأكبر قدر ممكن من الغايات النهائية للتعليم.

drAlshreefTalal@