طارق علي الصالحي

خمسة بروتوكولات تربوية قبل عودة التعليم حضوريا

الاحد - 30 مايو 2021

Sun - 30 May 2021

تداولت وسائل الإعلام المختلفة قرار وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ والقاضي بتشكيل لجنة إعداد تصور عام لعودة التعليم حضوريا في جميع مراحل التعليم العام والعالي والتدريب التقني والمهني، وذلك تنفيذا للأمر السامي الكريم رقم (55018) وتاريخ 1442/9/24 الذي وافق على عودة التعليم حضوريا للطلاب والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس الأمر الذي اعتبره التربويون قرارا حكيما بامتياز كونه يصب ليس فقط في مصلحة التعليم بل أيضا في تسريع عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي.

ويقع على عاتق هذه اللجنة التي يترأسها نائب وزير التعليم وبعضوية مجموعة من رؤساء الجامعات ووكلاء الوزارة مسؤولية وطنية كبيرة وحساسة تحتم عليهم الوقوف على أدق التفاصيل والبروتوكولات التربوية والصحية التي يجب اتباعها لمنع انتشار وباء كورونا في مدارسنا ومنها إلى المجتمع بأكمله لا سمح الله.وقد لفت نظري المهام المناطة بهذه اللجنة التي أوكل لها التحقق من التنظيمات والترتيبات اللازمة لعودة الكادر التعليمي بكافة مؤسسات وزارة التعليم التعليمية قبل بداية العام الدراسي، وتحديد فئات الطلبة المستهدفة للحضور في جميع مراحل التعليم الحكومي والأهلي، وتحديد سيناريوهات العودة الحضورية والأدلة اللازمة للعودة بما في ذلك عدم شمول الحضور لجميع الطلبة.

ومن مسؤوليتي الوطنية كأستاذ جامعي وكاتب رأي أحببت أن أشارك الوزير واللجنة المعنية بخمسة بروتوكولات وقائية أطلقت عليها (بروتوكولات تربوية) للفت النظر أن الإجراءات الصحية الاحترازية المعتمدة لدى وزارة الصحة لابد من تنفيذها بطريقة تربوية تتماشى مع البيئة العامة للمدرسة، والمرحلة الدراسية، والأهداف العامة للعملية التعليمية وذلك لكي تسهم بإذن الله في منع تفشي هذا الوباء بين طلبة التعليم العام، مع إمكانية الأخذ بها في مؤسسات التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني حسب نوع المنشأة، والمقررات الدراسية، والبرامج الأكاديمية.

صلاحية المنشآت التعليمية

سوف أبدأ البروتوكول الأول في مدى صلاحية المنشآت التعليمية للخدمة أثناء الأوبئة والأزمات الصحية قبل البدء بتطبيق التدابير الوقائية بها. فالوزارة بحاجة إلى إجراء تقييمات مسحية تحدد قدرة وصلاحية المدارس والمؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية على استقبال الطلبة خلال جائحة كورونا سواء بشكل كامل أو جزئي. فهناك مدارس على سبيل المثال لا تعتبر صالحة للاستخدام خلال الأوبئة التي تسبب التهابات رئوية حادة مثل وباء كورونا ولابد من استبعادها فورا لاحتوائها إما على نسب تهوية منخفضة أو فصول وممرات ومداخل صغيرة تحول دون تطبيق الإجراءات الاحترازية بالشكل الصحيح. وفي هذه الحالة، يتعين على إدارات التعليم نقل الطلبة والكادر التعليمي والوظيفي إلى مدارس أخرى تستوعبهم أو تحويلهم للفترة المسائية بمدارس مؤهلة تبدأ باستقبالهم فور خروج طلبة الفترة الصباحية وانتهاء إجراءات التعقيم. وقد يستدعي قرار إغلاق المدارس أو تحويل طلابها وطالباتها إلى مدارس أخرى مشاركة جهات حكومية أخرى مع إدارات التعليم بالمدن المعنية مثل وزارة الصحة، والدفاع المدني، والهلال الأحمر، والأمن العام، وقادة المدارس المغلقة وذلك لكي تكون القرارات أكثر نجاعة.

كوادر محصنة

ويأتي البروتوكول الثاني بعد تحديد المدارس الصالحة والآمنة صحيا، حيث تحتاج وزارة التعليم لاشتراط التطعيم ضد فيروس كورونا لكل من يدخل المدارس سواء كانوا كوادر تعليمية أوعمالة أو حتى أولياء أمور وزائرين. ولا ننسى أهمية توفير نقاط للفحص عند مداخل ومخارج المدارس مع توفير وسائل الوقاية مثل تعقيم الفصول الدراسية ولبس الكمامات وتعقيم اليدين.

كما لابد من تشديد الحراسات الأمنية المزودة بأجهزة كواشف حرارة ووسائل أخرى تستطيع تحديد ومنع المصابين من دخول المدرسة. وقد نجحت حكومتنا الرشيدة في تسهيل هذا الأمر من خلال تقديم مجموعة من التطبيقات ذات العلاقة التي سوف حتما تساعد المدرسة على معرفة من أخذ اللقاح من منسوبيها وزائريها وأخص بالذكر تطبيق توكلنا، وصحتي، وأبشر، وغيرها.

تثقيف الطلبة

ويأتي تثقيف الطلبة كمرحلة ثالثة من البروتوكولات التربوية بالمؤسسات التعليمية والتي أرى أن تبدأ من اليوم الدراسي الأول ولمدة أسبوع على أن يكون هذا الأسبوع حافلا بالترحيب والابتسامة والفعاليات المختلفة لتعزيز بناء ثقة الطلبة وأولياء أمورهم بالمدرسة. فقد يواجه المعلمون والمعلمات طلبة قلقين وحذرين وخائفين من المدرسة، وهنا لابد أن تستعين الوزارة بخبرائها التربويين والنفسيين للمساعدة في تثقيف الطلاب بأهمية تطبيق الإجراءات الوقائية بأسلوب تربوي يعتمد على الابتسامة، والإرشاد، والتوجيه، والنصح، والإقناع، والترغيب بعيدا عن التشنج والتخويف الذي قد ينتج عن ارتباك بعض المعلمين والمعلمات بسبب خوفهم على الطلبة خصوصا بالأسابيع الأولى مما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية جسيمة ليس فقط لدى الأطفال الجدد بالمرحلة الابتدائية بل جميع طلاب وطالبات المراحل الدراسية المختلفة الذين انقطعوا عن المدارس لفترات طويلة بسبب تعليق الدراسة الحضورية. كما يجب أن يشمل الأسبوع الأول مجموعة من الدورات التثقيفية ذات الطابع التطبيقي الذي يركز على محاكاة تنفيذ الإجراءات الاحترازية الصحيحة داخل وخارج المدرسة، بالإضافة إلى المحاضرات التوعوية عن كيفية التعامل مع الأوبئة والأزمات الصحية بالمشاركة مع الجهات الأخرى ذات العلاقة. وتعتبر مشاركة أولياء الأمور أيضا أحد أهم المستهدفات التي يجب أن تضعها الوزارة بالحسبان في هذه البرامج التثقيفية وذلك من خلال تعبئتهم لاستبانات حول معلومات أسرهم الصحية، وتاريخ تطعيمات أبنائهم، وكيفية إبلاغ المدرسة في حال وجود أي اشتباه بإصابة أحد أفراد الأسرة بفيروس كورونا، ومدى وعيهم بالمخاطر التي قد يسببها هذا الوباء عليهم وعلى أبنائهم وعلى المجتمع بشكل عام. ويحبذ ربط تطبيقات وزارة الصحة مع تطبيقات وزارة التعليم المعتمدة والسماح لقادة المدارس للتعرف على الطلاب المصابين أو المشتبه بهم لتسريع أخذ الإجراءات الصحية والنظامية اللازمة. وقد تختلف آلية تقديم بروتوكولات تثقيف الطلبة ومدتها وكثافتها مع طلاب التعليم العالي والتدريب التقني والمهني كونهم أكثر نضجا وتحملا للمسؤولية.

التباعد الإلزامي

ويعتبر التباعد الإلزامي البروتوكول الرابع بعد التأكد من صلاحية المنشأة التعليمية وتحصين وتثقيف منسوبيها. فكما نعلم جميعا أن التعليم العام يحتوي على طلبة تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والسابعة عشر عاما. فطلبة المرحلة الابتدائية على سبيل المثال يميلون إلى الحركة والنشاط واللعب وحب الاستكشاف مما يجعلهم يبادرون في لمس كل ماهو أمامهم، بينما يقل ذلك عند طلبة المرحلة المتوسطة والثانوية الأكثر تعقيدا في أمور أخرى كضبط السلوك مثلا. فقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية عدم قناعة أغلب الطلبة ممن هم في سن المراهقة بأنظمة ولوائح مدارسهم.

وعليه قد يحاول بعض طلبة المرحلة المتوسطة والثانوية عدم اتباع الإجراءات الاحترازية كنوع من إثبات الذات والتحدي للفت نظر زملائهم ومعلميهم. وهنا لابد من إيجاد حلول تربوية ونفسية لحل مثل هذه الإشكالات التي ربما تؤذيهم وتؤذي الآخرين. ومن المقترحات التي آراها مناسبة للتقليل من التقارب الجسدي بين الطلبة داخل المدارس بشكل خاص والمؤسسات التعليمية الأخرى بشكل عام هي تقليل التكدسات الطلابية داخل المدرسة الواحدة أو تقسيم الحصص والمحاضرات الدراسية إلى فترتين أو استخدام الساحات والقاعات والمختبرات ذات المساحات الواسعة كفصول دراسية. أما فترة ما يسمى بالفسحة في مدارس التعليم العام، فأقترح أن تكون لفترتين أو ثلاث فترات لتقليل التكدسات عند المقاصف وأثناء تناول الإفطار. وهنا يأتي دور وزارة الصحة لتزويد كل مدرسة بمفتش صحي أو تدريب أحد المعلمين ليراقب إجراءات التباعد الجسدي ولبس الكمامات بشكل صحيح بين الطلبة خلال الفسحة. كما يمكن الاستفادة من طلاب وطالبات التربية الميدانية بأقسام كل من كليات التربية، والأقسام الرياضية، وبعض أقسام كليات الطب مثل أقسام الصحة العامة وذلك للمساهمة في مساعدة المدارس على تطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة. في الحقيقة، سوف تسهم الاستعانة بالمفتشين الصحيين بالقرى والهجر الصغيرة وطلبة التربية الميدانية في التخصصات ذات العلاقة بالمدن الكبيرة في تقديم خدمة عظيمة للوطن إن تمت الاستعانة بهم كونهم الأفضل في مساعدة المعلمين والمعلمات في تقديم خدمات تعليمية وصحية آمنة داخل الفصول الدراسية والأنشطة اللاصفية وفترات الفسحة.

الإخلاء عند الاشتباه

ويعتبر إخلاء المنشآت التعليمية عند الإصابة أو حتى الاشتباه بفيروس كورونا هو البروتوكول التربوي الخامس حسب تصنيفي التسلسلي للسيطرة على المخاطر في حال تم فتح المنشآت التعليمية للطلبة. فالمنشآت التعليمية لا تقل خطورة عن أماكن التجمعات الأخرى بل قد تكون أكثر احتضانا للأوبئة وذلك لتردد نفس المستفيدين على نفس المكان وبشكل يومي، إلا أن الأمر المطمئن في هذه المرحلة أن احتمالية الإصابة بفيروس كورونا بين الفئات العمرية لطلبة التعليم العام مازالت قليلة في حال استبعدنا طلاب التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني الأقل تكدسا والأكثر التزاما وإدراكا عند التعامل مع هذا الوباء. كما أن الدول المنتجة للقاحات المضادة لفيروس كورونا بدأت بالتحضير لإنتاج لقاحات خاصة لمن هم أقل من سن 16 سنة مما سوف يجعل العالم أكثر أمنا. ولا ننسى خطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للتصدي لهذا الوباء منذ بدايته مما صنف المملكة كواحدة من أفضل دول العالم في معدل وعي مواطنيها تجاه انتشار فيروس كورونا الأمر الذي جعل المواطن السعودي على دراية كاملة بما يجب أن يفعله لحماية نفسه وأسرته. أما الإخلاء بالمؤسسات التعليمية فيعتبر أحد أهم البروتوكولات التي يجب اتباعها في حال تم تسجيل إي إصابة أواشتباه لدى أي من منسوبيها أو طلابها. وعليه لابد من تدريب المعلمين على طرق إدارة الأزمات الصحية واكتشاف المشتبه أو المصابين بفيروس كورونا ووضع خطة طوارئ محكمة لإخلاء المدرسة في حال تم التأكد منها. وفي المدارس، الأهم آلية الإخلاء وليس الإخلاء نفسه، فيجب أن يتم تنفيذ بروتوكولات الإخلاء بالمدارس بطريقة مدروسة وهادئة وبدون إحداث أي نوبات هلع أوخوف بين الطلبة أوأولياء أمورهم.

كما لابد أن يكون الإخلاء منظما بحيث يتم استبعاد الطلبة المصابين أو المشتبه بهم أولا وبطريقة سلسة وغير ملفته للنظر، ومن ثم يخرج الطلبة من فصولهم على شكل مجموعات صغيرة للساحة الخارجية وبمسافات تفصل بين كل طالب وزميله بما يقدر بمتر ونصف بعيدا عن الإخلاء السريع الذي يحدث عادة أثناء الحرائق والكوارث الطبيعية.

وفي النهاية أتمنى أن تسهم هذه السلسلة من البروتوكولات التربوية بالمؤسسات التعليمية بعين الاعتبار لدى خبراء التربية سائلين الله سبحانه وتعالي أن يديم النعمة والأمن والأمان والصحة والرخاء على هذا البلد المعطاء تحت ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين التي وضعت كافة الإمكانات المادية والبشرية لخدمة أبنائنا وبناتنا لمواصلة تعليمهم في بيئة صحية آمنة تضمن سلامتهم، متمنين لهذه اللجنة النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة.

@Dr_Talsalhi