خضر آل خضر

العبادة بين العاطفة والعقل

الخميس - 27 مايو 2021

Thu - 27 May 2021

لم تشرع العبادات لكبت الإنسان أو للحد من حريته أو للتضييق عليه، وإنما شرعت لهدف أسمى من ذلك كله، وهو تنظيم حياة الفرد في هذه الحياة، لأن حسن إدارة الحياة الدنيا وحسن التعامل مع الخالق وخلقه هو مؤشر لدخول الجنة بعد رحمة الله تعالى.

والتعامل مع العبادات منذ فجر التاريخ لا ينفك عن أمرين: عاطفي وعقلي. فهناك من يخضع للعبادة من الجانب العاطفي فهو متعصب مشرئب الرأس تحسبا لأي أمر طارئ جد في أمور دينه فتجده يهاجم وينبذ ويقصي بل ويتهم ويكفر كل من أثار قضية دينية ليست من المعلوم من الدين بالضرورة بل هي أمر من نوافل القول، فتجده وقد انبرى للدفاع عن الدين كالصلاة -مثلا- وهو في واقع الأمر لم يصل الصلاة التي فرضها الله عليه كما ينبغي لأن الصلاة كمضمون ديني تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ويندرج تحت مفهومي الفحشاء والمنكر أمور جليلة كالاتهام بالباطل والولوج في نيات الناس والتفتيش عما خفي من صدورهم ووو...الخ تحت ذريعة الغيرة على الدين.

وهذه ليست غيرة بل هي الجهل بما تعنيه كلمة الجهل، لأن من يصلي الصلاة الصحيحة تجده عاقلا حكيما ملتزما بقوله تعالى «فتبينوا» والتبين هنا يقتضي النظر في الأمر والدليل وموازنة الأمور وتفنيد الحجج دون أدنى «سعار عاطفي»، وأما من كان منجرفا خلف العاطفة فسيتلاطم مع أمواج التبعية التي لا تنظر للدليل بل لما قاله الجمع ليقول مثل قولهم.

ولعل القرار الجديد الذي يقضي بضبط مكبرات الصوت وفقا للأذان والإقامة وتقليل التردد لثلث الدرجة قد أثار جدلا بين أهل العاطفة الدينية والذين -في الغالب- لا يسكنون بجوار المساجد ولديهم مرضى أو كبار في السن لذلك شحذوا عاطفتهم بالهجوم والدخول في النيات دون أدنى تأمل في قوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) فلو نظر صاحب العاطفة لقوله تعالى «وابتغ بين ذلك سبيلا» لكفته أن يفهم معنى تقصير تردد الصوت وجعل الجهر بالقراءة داخل المسجد.

وقد أخرج النسائي في السنن الكبرى عن أبي حازم التمار عن البياضي «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن» وهنا نهي صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجهر ولو كان بالقرآن، وذلك حتى لا يشغل جهرك من بجوارك عن تدبر القرآن.

ومن هنا ومع كثرة اعتلاء أصوات المكبرات في الحي الواحد وفي مساحة لا تكاد تتجاوز النصف كيلو حيث مسجد يجاور آخر ومكبرات أحدها يعتلي الآخر بل وجعل درجة التردد أعلى درجة وجب ضبط هذا الأمر، لأن الدين لم يأت بالإضرار بالناس وقض مضجع كبيرهم وإفزاع صغيرهم، فالصلاة بداخل المسجد لمن حضر الجماعة والنداء للصلاة إعلام بدخول الوقت وليس للتنافس في جودة مكبرات الصوت... والمؤمن الحق من يتبع الدليل لا العاطفة بلا عقل، والعاقل من خفف حمله ليوم القيامة وترك نيات الناس لربهم فهو العليم الخبير.