عبدالله العولقي

تنبؤ الأحداث واستشراف المستقبل

الأربعاء - 19 مايو 2021

Wed - 19 May 2021

لا شك أن لدى بعض السياسيين والمحللين قدرات فذة بتنبؤ الأحداث وتقديم قراءة صحيحة عن أحداث المستقبل، فالتنبؤ وإن كان في ظاهره جهد علمي منظم وينم عن خبرة تراكمية في متابعة الأحداث إلا أن جوهره يرتكز على موهبة فطرية تمكنه من رسم الافتراضات وصياغة التوقعات لما سيكون عليه الحال في المستقبل.

في بداية ثمانينيات القرن الماضي، نشر عالم المستقبليات الشهير ألفين توفلر أطروحاته حول الاتحاد السوفيتي، وتنبأ عن انهيار تلك المنظومة السياسية الكبرى، وبرر تنبؤاته بأن العالم يتقدم وموسكو لا تتجاوب مع المتغيرات المتسارعة، وحينها شن عليه أنصار الفكرة الشيوعية هجوما إعلاميا لاذعا حول العالم، وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية في موسكو ارتفعت شعبية توفلر بصورة كبيرة، ليس بين الأمريكان فحسب، وإنما في العالم كله.

كما يعد المؤرخ الأمريكي الشهير صموئيل هنتنتجتون أحد أشهر المتنبئين وقراء المستقبل، فقد تنبأ في كتابه الشهير (صراع الحضارات) عن أحداث صدامية وقعت فيما بعد، وقد خلص في بحثه إلى أن الحضارات التي تجددت بعد انتهاء الحرب الباردة وأعيد تشكيلها، ستشكل أنماطا من الصراع والصدام مع الغرب، خصوصا حضارتي (الإسلام والصين)، لأن هاتين الحضارتين تمتلكان مقومات الحضارة الفعلية والتي لا يمكن للحضارة الغربية هضمها أو السيطرة عليها، ولعل الصراع الصيني الأمريكي اليوم على ريادة العالم خير برهان على صحة تنبؤات هذا العالم الشهير.

كما اشتهر أيضا في هذا الجانب، وزير خارجية الولايات المتحدة الأشهر هنري كيسنجر، فقد حذر هو الآخر مبكرا عن حرب باردة قادمة ستضرب العالم بين واشنطن وبكين، وهو يرى أن الصين تسير بثقة في طريقها لإزاحة الولايات المتحدة عن قيادة العالم، وأن السياسيين في واشنطن لا يدركون تماما أن من المستحيل على الولايات المتحدة وحدها قيادة العالم مهما كانت قدراتها السياسية والاقتصادية، وأن العالم قد شرع بالفعل يتهيأ إلى عالم جديد يرتكز على تعدد القطبية، وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد الوجود البشري اليوم هو اندلاع حرب نووية مدمرة بين هاتين القوتين!!.

وأخيرا، لا يمكن تنبؤ أحداث المستقبل دون قراءة واعية للتاريخ والماضي وفهم نوعي لمعطيات الحاضر، وفي هذا المقال تحدثنا عن أشهر المحللين الأمريكيين الذين عرفوا بقدرتهم الفذة على قراءة أحداث المستقبل، وصدقت أغلب توقعاتهم، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عالمنا العربي يزخر أيضا بأعلام كبار مثل المفكر المغربي (المهدي المنجرة) مبتكر مصطلح صراع الحضارات، والذي يدين له هنتنجتون كثيرا في هذا الموضوع، وأيضا لدينا الأمير تركي الفيصل، وهو سياسي من العيار الثقيل، ولديه كثير من الأطروحات التنبؤية المهمة حول الخطر الإيراني ومستقبل المنطقة.

albakry1814@