محمد مندورة

الجودة في قطاع الحج والعمرة

الثلاثاء - 18 مايو 2021

Tue - 18 May 2021

الجودة هي أحد المبادئ التي دعا إليها القرآن الكريم وأكدت عليها السنة النبوية المطهرة. يقول تعالى في كتابه الكريم «الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير» (هود 1). قال الطبري: إحكام الشيء إصلاحه وإتقانه، وإحكام آيات القرآن، إحكامها من خلل يكون فيها، أو باطل ذي زيغ أن يطعن فيها من قبله. كذلك يقول تعالى: «... صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون» (النمل 88). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» رواه البيهقي.

وأولت المملكة اهتماما كبيرا بقضايا الجودة. من ذلك انعقاد عدة مؤتمرات وطنية للجودة، كان آخرها المؤتمر الوطني السابع للجودة الذي نظمته الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، والذي انعقد في جدة في مطلع عام 2020.

وناقش المؤتمر عدة محاور من أبرزها: الجودة ورؤية 2030، والاستراتيجية الوطنية للجودة، وعلاقة الجودة بالتنمية المستدامة، إلى جانب استعراض البنية التحتية الوطنية للجودة، والقدرات والكفاءات الوطنية في الجودة، وكذلك محور جودة خدمات الحج والعمرة، وبرامج وجوائز الجودة الوطنية، والجودة وأثرها في المؤشرات التنافسية العالمية.

كذلك لا بد من الإشارة والإشادة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة التي تعتبر من أهم الجوائز الوطنية التي أنشئت بهدف تحفيز القطاعات الإنتاجية والخدمية لتطبيق أسس وتقنيات الجودة الشاملة من أجل رفع مستوى جودة الأداء وتفعيل التحسين المستمر لعملياتها الداخلية وتحقيق رضا المستفيدين.

كما تهدف الجائزة لتكريم أفضل المنشآت ذات الأداء المتميز والتي تحقق أعلى مستويات الجودة بحصولها على التقدير اللائق على المستوى الوطني نظير ما حققته من إنجازات وبلوغها مرتبة متميزة بين أفضل المنشآت المحلية.

والجودة هي معيار الإتقان الذي يجب ممارسته عند القيام بأي أداء، والتي يجب الحرص عليها حتى في أبسط الأعمال.

ويمكن وصفها بأنها الالتزام بالمواصفات والمتطلبات المتفق عليها مع العميل. وتبرز قضايا الجودة بشكل خاص في تطوير أعمال الجهات الخدمية – أي التي تقدم خدمات تحتاجها أطراف أخرى.

ومن الواضح أن قطاع الحج والعمرة يندرج ضمن تصنيف الجهات الخدمية – حيث إنه يقدم خدمات متعددة للحجاج والمعتمرين تشمل: النقل، السكن والفندقة، التغذية، الرعاية الصحية، الأمن والسلامة، التوجيه والإرشاد، وغيرها من الخدمات.

من هذا المنطلق فإن تحقيق جودة الأداء والتميز في الخدمات ينبغي أن يكون هدفا استراتيجيا لدى جميع الجهات العاملة في القطاع؛ لكي تحقق تطلعات المستفيدين في مستوى الخدمات المقدمة لهم.

وعند الحديث عن الجودة كأساس للتطوير الإداري، توجد مدارس ونظم ومنهجيات ومعايير متعددة: أمريكية وأوروبية ويابانية، وبشكل عام يمكن تحديد مدرستين رئيستين يندرج تحتهما جميع تلك المنهجيات والمعايير العالمية:

• نظم إدارة الجودة Quality Management Systems، ويندرج تحتها: نظام إدارة الجودة الأيزو ISO 9000، وجائزة تميز المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة EFQM، وجائزة مالكوم بالدريج الوطنية للجودة، وغيرها،

• نظم ومنهجيات التحسين المستمر، ويندرج تحتها: نظام إدارة الجودة الشاملة TQM، معيار الحيود السداسي Six Sigma، الإنتاج الرشيق Lean Production، نظام الكايزن Kaizen، وغيرها.

وبالنسبة للجودة في قطاع الحج والعمرة، فإنه يقترح تبني مدرستين من مدارس الجودة تكملان بعضهما البعض، هي:

• تطبيق المواصفات الدولية في نظم إدارة الجودة (ISO 9001:2015).

• وتطبيق إدارة الجودة الشاملة في عمليات التحسين المستمر، وكذلك في إعادة هندسة الإجراءات.

وسنعطي فيما يلي مبررات التوصية باختيار هذين المنهجين.

نظام إدارة الجودة الأيزو ISO 9001:2015

تعطي المواصفة الدولية (الأيزو9001) معايير واضحة ومحكمة لعمليات التوثيق بشكل خاص. ويشمل ذلك: توثيق الاستراتيجيات (الرؤية والرسالة والقيم)، توثيق الهياكل التنظيمية والوصف الوظيفي، توثيق المهام والأهداف، توثيق خطط العمل، توثيق اللوائح والتنظيمات، توثيق إجراءات العمل، توثيق سياسات المراقبة والمتابعة وقياس الأداء. ويحقق تطبيق هذه المواصفة عدة فوائد للمنشأة تشمل التالي:

• التزام جميع العاملين في المنشأة بتحقيق غايات وأهداف المنشأة الموثقة والمعلنة.

• التزام الجميع بالقيم الموثقة والمعلنة التي تحكم العمل وتوجهه.

• تحديد المسؤوليات بوضوح، فكل فرد يعرف ماذا يعمل، وما هي حدود مسؤولياته وصلاحياته؟.

• الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة: لأنه يحدد كم؟ وماذا؟ يلزم لتنفيذ أي عمل أو مهمة.

• الكفاءة والسرعة في إنجاز العمل، حيث إن الإجراءات واضحة وموثقة، ولا مجال للتجريب.

• تقليل الأخطاء نظرا لكون كل نشاط يمضي وفق تخطيط واضح، ومجرب، وكل يعرف دوره في كل عملية مهما صغرت، فلا مجال للاجتهاد.

• توفر أدوات التقييم: حيث يشتمل النظام على إجراءات ونماذج تتطلب قياس أمور ملموسة يمكن قياسها بسهولة، تمكن المنشأة من تقييم نفسها والعاملين فيها بكل وضوح.

• زيادة ثقة العملاء ورضاهم؛ لأنه يدلل للعملاء التزام المنشأة بتطبيق معايير متفق عليها عالميا في العمليات الإنتاجية أو تقديم الخدمة.

• ازدياد تقدير الجهات الخارجية: نظرا لكون المواصفة معروفة وتلقى الاحترام لدى الجميع.

• يحتوى نظام الجودة على أسس التحسين المستمر كمتطلب أساس من متطلبات المواصفة. ولكن المواصفة لا تحدد منهجية التحسين المستمر أو كيفية تنفيذ عملياتها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العديد من الجهات العاملة في قطاع الحج والعمرة - مثل مؤسسات الطوافة وبعض شركات النقل وبعض الإدارات والأقسام في وزارة الحج والعمرة - قد قام بالفعل بتطبيق المواصفة الدولية الأيزو 9001، وكان لمكتبنا الاستشاري دور في تأهيل بعض هذه الجهات للحصول على شهادة المواصفة.

لكن مع بدء تحول مؤسسات الطوافة إلى شركات مساهمة فلا بد من إعادة تأهيل هذه الكيانات الجديدة لشهادة المواصفة. كذلك لا بد من تعميم تطبيق المواصفة لدى جميع الجهات العاملة في مجال خدمة الحجاج والمعتمرين، مثل: مؤسسات العمرة، شركات نقل الحجاج والمعتمرين، الفنادق وشركات الإسكان، شركات التغذية، وغيرها.

إدارة الجودة الشاملة TQM

تبرز فلسفة ومنهجيات إدارة الجودة الشاملة كإحدى أفضل مدارس الجودة التي تهدف لتطوير وتحسين بيئة العمل نظرا لأنها تدعو إلى تطبيق الجودة على مستوى المنشأة بأكملها وفي كافة المستويات.

ويمكن تعريف مفهوم إدارة الجودة الشاملة في قطاع الخدمات بأنها: الالتزام الكلي بالتغيير إلى الأفضل في جميع أنشطة المنشأة، بدءا من الأفراد والمعدات والوسائل، وصولا إلى البرامج وكل ما يتطلب للوصول إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية في تطوير الخدمات بطريقة تفوق ما هو متوقع منها».

ويندرج تحت مدرسة إدارة الجودة الشاملة عدة أساليب وطرق للتحسين المستمر. ولعل أحد أفضل هذه الطرق هو طريقة فرق تحسين الجودة (Quality Improvement Teams) كأساس لتطوير الأداء. وتمتاز هذه الطريقة بأنها تحقق التالي:

• إحداث تغيير متكامل يؤدي إلى رفع الكفاءة بشكل عام، لتوفير خدمات عالية الجودة.

• تحفيز جميع العاملين للاشتراك في التطوير. وهو ضروري لإحداث أي تغيير حقيقي في بيئة عمل المنشأة وفروعها المختلفة، بما في ذلك القدرة على التقدم والابتكار والإبداع.

• توحيد جميع الجهود التطويرية وتوجيهها نحو أهداف استراتيجية ورؤية ورسالة موحدة، والتي بدونها تتضارب الجهود وتضعف النتائج.

• تبني مفهوم التطوير المستمر والاستعداد والقابلية للتغيير.

• التزام واشتراك الإدارة العليا في جهود رفع الكفاءة والجودة.

• استخدام أسلوب العمل الجماعي لرفع الروح المعنوية وتقليل الصراعات بين العاملين وتحفيزهم لتطبيق أفكار الجودة الشاملة، ليسهموا في تبنيها وتطويرها.

• تطبيق منهج العمليات وتنظيم العمل بحسب العمليات، وليس بحسب الوظيفة، لتقليل الحواجز بين الإدارات المختلفة، والعمل معا لخدمة العميل وحل المشكلات.

ويتم تطبيق منهجية فرق تحسين الجودة على عدة مراحل رئيسة كما يلي:

01 نشر ثقافة الجودة والتدريب والتوعية: ويتم في هذه المرحلة عمل خطة برامج تدريبية موجهة لمختلف فئات العاملين في المنشأة: الإدارة العليا، الإدارة المتوسطة، قادرة فرق تحسين الجودة، أعضاء فرق تحسين الجودة. وتشمل برامج التدريب التدرب والتمرس في استخدام الأدوات المختلفة التي سيجري استخدامها في المراحل التالية من المشروع.

02 تشكيل لجنة تحسين الجودة وفرق تحسين الجودة: وتكون مسؤولية لجنة الجودة متابعة عمل وتشكيل فرق الجودة وعرض تقارير فرق تحسين الجودة على المستويات العليا بالمنشأة، ولها القدرة على الاتصال بالجهات ذات العلاقة خارج نطاق المنشأة. وعادة تتبع هذه اللجنة مباشرة لنائب الوزير أو وكيل الوزارة المسؤول عن الجودة في الوزارة. ويتشكل كل فريق من فرق تحسين الجودة عادة من ما بين خمسة إلى ثمانية أفراد. ومن المفيد أن يتكون فريق العمل من أشخاص مؤهلين مختلفين في خلفيتهم الثقافية والمهنية وأصحاب اختصاصات شتى أو ينتمون إلى أقسام مختلفة. ويسهم ذلك في إثراء تجربة فرق العمل، حيث إن عملهم يقوم على مبدأ الاستفادة من تميز الآخرين عن بعضهم البعض وبالتالي تلاقح الأفكار وتكامل الأعضاء فيما بينهم.

03 تنفيذ فرق تحسين الجودة والمتابعة: ويتم في هذه المرحلة وضع الخطط الزمنية لعقد فرق تحسين الجودة، ثم تنفيذ تكوين هذه الفرق، وبدئها في أعمالها. وتحتاج هذه المرحلة إلى وجود خبراء مختصين في عمليات التحسين تكون مهامهم تيسير فرق تحسين الجودة، وقياس الأداء للفرق، والتنسيق بين فرق تحسين الجودة ولجنة تحسين الجودة بالهيئة. وتمر عملية التحسين التي يقوم بها كل فريق بعدة مراحل موضحة في الشكل المرفق، وهي:

• تحديد فرصة التحسين.

• دراسة الوضع الحالي وتحليل النتائج.

• ابتكار التحسينات ووضع خطة التنفيذ.

• التطبيق والمتابعة.

• قياس النتائج

وعادة تتطلب الدورة الكاملة لفريق التحسين حوالي 15 أسبوعا – أي 4 أشهر. ثم تتكرر الدورة لدى كل فريق عمل باختيار فرصة تحسين أخرى، وهكذا دواليك.

وينتج عن كل فريق تحسين جودة توصيات تحسين يمكن عند تنفيذها أن تؤدي إلى: تقليص عدد خطوات الإجراءات، تقليل الأخطاء، إلغاء التكرار، تقليص الهدر، خفض المخزون، إيجاد الحلول للمشكلات، وزيادة كفاءة الأداء. وجميع ذلك يترجم إلى توفير في المصاريف والنفقات، وخفض الميزانيات. وكمثال لذلك: في أحد مشاريع الجودة الشاملة التي أشرف عليها المكتب الاستشاري لدى إحدى الجهات الخدمية الكبرى، تحقق توفير قدره 46 مليون ريال في ميزانية تشغيل الجهة في سنة واحدة من خلال تنفيذ توصيات التحسين لعدد 84 فريق تحسين جودة. ولا يشمل ذلك وضع قيمة مادية للنتائج الإيجابية المعنوية المتمثلة في زيادة رضا العملاء من خلال تقليص الأعطال وسرعة التجاوب مع متطلباتهم وشكواهم.

[email protected]