عبدالله الأعرج

جمال الإدارة بالفشل

الاثنين - 26 أبريل 2021

Mon - 26 Apr 2021

في مستهل حديثي دعونا نتفق على حقيقة ثابتة وهي أن النجاح مبتغى كل إنسان، ودعونا أيضا نتفق على ندرة وجود نجاحات متتالية دون وجود إخفاق ولو بشكل لا يكاد يظهر للعيان.

دعونا أيضا نتفق على أن نسبة الفشل مهما تضاءل حجمها تظل نسبة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار في رحلة البحث عن النجاح! ولذلك فإن حادثة الفضاء الشهيرة لمركبة الفضاء الأمريكية challenger والتي ذهبت بأرواح سبعة من رواد الفضاء نهاية التسعينيات الميلادية رغم استبعاد حدوثها كانت قصة فشل حسنت من تجارب السلامة والأمان وبالتالي نجاح عملية الدفع للصواريخ في السنين التي تبعتها!

وبسحب كل هذه المبادئ الثابتة إلى عالم العمل والمنظمات فإننا سنقف أيضا أمام قصص لا تكاد تنتهي حول محورية بعض مواقف الفشل في خلق نجاحات لا تنسى!.

صالح عبدالله كامل (كمثال) وفي برنامج اللقاء من الصفر قال: تعرضت في حياتي نحو الثراء وبناء إمبراطورية (دلة البركة) لإخفاقات كلفتني مئات الملايين وأكثر، ولكن الناس لا ترى من مسيرة الأعلام والكبار في أي مجال سوى قصص النجاح! ومثل صالح كامل تحدث الأستاذ عبدالله جمعة عن إخفاقات دراسية في حياته وتحديات تخصصية بنى من خلالها إصرارا وعزيمة عارمتين قادتاه - رغم تخصصه غير الهندسي - لمنصب الرئيس التنفيذي لعملاق النفط في العالم أرامكو السعودية.

الشاهد، أن الإخفاق والفشل لم يكن دوما وأبدا الجانب المعاكس للنجاح بقدر ما كان الغذاء الدسم الذي استل الفاشلين من مقاعدهم المتأخرة وأجلسهم في الكراسي الأمامية للمنجزين والمبدعين والمتألقين.

وما أجمل الثقافة الصينية الضاربة في القدم والموغلة في الحكمة وهي تثبت للعالم كيف صنعت من ذلك البلد بنسخته الحديثة المرتبطة ذهنيا لدى الناس برديء البضاعة وقلة الجودة وفشل الصناعة أنها فرس رهان بعد أن تقدمت في منتجاتها الصناعية أمهات دول العالم مع وعد منها أن عام 2025 سيكون عاما يبحث فيه الناس عن منتجات الصين لجودتها قبل مثيلاتها من منتجات البلدان الأخرى وكأنها بذلك تذكر شعوب الأرض بالحكمة الصينية الشهيرة «أن الفشل الحقيقي ليس في السقوط بل في رفض الوقوف مرة أخرى».

وفي كثير من منظمات العمل يعتقد البعض أن المدير أو القائد الناجح هو (سلسلة من النجاحات) وكأنهم بذلك يلبسونه عصمة إدارية تحول بينه وبين الخطأ من جهة، بل وتشنع عليه أدنى درجات الإخفاق وربما تعتبرها - وإن صغرت - مصدرا للتهكم والانتقاص وربما الإقصاء والإبعاد!.

ولأنني لا أميل عادة لنقد السلوك البشري السطحي لبعض التصرفات، فإنني أريد فقط من معتنقي مثل هذه العقائد الإدارية الالتفات قليلا إلى محيطهم الشخصي والأسري وتحليل بعض مواقف الإخفاق التي أكسبتهم خبرات تراكمية وحولت المواقف إلى الاتجاه المعاكس زهوا ونجاحا وتألقا وسحب كل ذلك على المجتمع العملي والوظيفي وحينها ستكون الصورة واضحة ذهنيا للجميع.

ودعونا نضيف بأن هناك أخطاء وفشلا لا يغتفر، ولطالما شاهدنا كتلا برلمانية وساسة ووزراء ومدراء وأساتذة جامعات وغيرهم يقفون بكل شجاعة معترفين بفشلهم الذريع في موقف ما حينما يتعذر إصلاحه، وحينها ستكون هذه المواقف لحظات لا تنسى، لأنها بالتأكيد مهدت الطريق لفكر جديد وإرادة جديدة وإدارة واعية لتتعامل مع المواقف الحرجة بطريقة أكثر حكمة وأن تبرهن للمستفيدين قيمة المحاسبة كعامل نهائي في مسيرة العودة إلى النجاح بعد المرور بتجربة الفشل!.

دعونا نفشل قليلا لكي ننجح كثيرا، ودعونا ننتعش ونحن نرى تعاظم النجاح وضآلة الفشل، ودعونا نثق بقيادات تريد أن تتعلم من أخطائها البسيطة لتخلق إنجازات كبيرة، وسنكون حينها بخير وإلى خير بإذن الله.

dralaaraj@